البترول :دعم المنتجات البترولية والغاز الطبيعي خلال السنوات الخمس الماضية بلغ 517 مليار جنيه ولم يستفد منها المستحقين

أكد المهندس طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية أن قرارات تصحيح منظومة دعم المنتجات البترولية وتعديل التشوهات السعرية في هذه المنظومة ليست هدفا في حد ذاته، بل كانت بمثابة إجراءات حاسمة تتخذها الدولة للحد من الآثار السلبية التي خلفتها منظومة الدعم المشوهة، التي استمرت على مدار سنوات طويلة على الاقتصاد المصري والخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين، والتي تأثرت بشدة نتيجة إلتهام منظومة دعم المنتجات البترولية للموارد المالية.

وقال الملا - في بيان اليوم /السبت/ "إن إجمالي دعم المنتجات البترولية والغاز الطبيعي خلال السنوات الخمس الماضية بلغ 517 مليار جنيه لم يستفد منها المستحقين الحقيقيين للدعم، هذا بخلاف العديد من التداعيات السلبية على البعدين الاقتصادي والاجتماعي"، لافتا إلى أن فاتورة الدعم شهدت خلال العامين الأخيرين زيادة مطردة.

وأضاف أنه وبالرغم من أن دعم المنتجات البترولية تم إقراره في الأساس لحماية البعد الاجتماعي، إلا أن الواقع يؤكد أن هذا الدعم كان أكبر عامل سلبى يعيق تحقيق العدالة الاجتماعية داخل المجتمع في ظل استفادة الفئات الأعلى دخلا والأكثر قدرة من الجانب الأكبر من الدعم الموجه للمنتجات البترولية والغاز الطبيعي، بينما لا تستفيد الفئات الأقل دخلا إلا بالنسبة الأقل، وهو الأمر الذى تؤكده كافة الدراسات والتقارير عن الدعم.

وأشار الملا إلى أن أبرز الآثار السلبية للمنظومة الحالية للدعم تتمثل في أن الدعم يمثل الفرق بين التكلفة الفعلية للمنتجات البترولية التي تتحملها وزارة البترول وسعر البيع محليا المحدد جبريا، والذي يقل عن تكلفة إنتاجها، موضحا أن قيمة الدعم تتوقف على ثلاثة عوامل رئيسية هي: سعر البترول عالميا، وسعر صرف العملات الأجنبية، وحجم الاستهلاك المحلى.

ولفت إلى أن فاتورة الدعم شهدت خلال العامين الأخيرين زيادة مطردة، حيث من المقدر أن ترتفع فاتورة دعم المنتجات البترولية والغاز الطبيعي إلى نحو 125 مليار جنيه نهاية العام المالي الحالي 2017 - 2018.. كما قدرت قيمة الدعم في موازنة العام المالي 2018 - 2019 بحوالي 89 مليار جنيه على أساس سعر خام برنت 67 دولارا للبرميل وسعر صرف الدولار 25ر17 جنيه.. مبينا أنه في ضوء الارتفاع في أسعار خام برنت حاليا فإن كل دولار زيادة فى سعر برنت يؤدى إلى زيادة في قيمة الدعم حوالى 3,5 مليار جنيه.

كما أوضح أنه مع الارتفاعات الحالية فى أسعار البترول العالمية، فمن المتوقع أن تتفاقم الآثار السلبية للنظام الحالى للدعم، وهو ما سيؤدي إلى زيادة الأعباء على الموازنة العامة للدولة مما يعوق فرص التنمية وتحسين مستوى المعيشة والخدمات المؤداة للمواطنين (تعليم، صحة، نقل ...)، واستنزاف الموارد الطبيعية والإسراف فى الاستهلاك وانتشار الاستخدامات غير الشرعية للمنتجات البترولية وظهور السوق السوداء.

ونوه الملا بأن التشوهات السعرية الناتجة عن بيع المنتجات البترولية بأقل من تكلفتها يؤدى إلى خلل في منظومة الاستهلاك دون تحقيق قيمة مضافة، والتأثير السلبى على الاقتصاد المصرى، وكذلك التأثير السلبى على عائدات قطاع البترول وموقف السيولة لديه مما يحد من قدرته على القيام بواجباته تجاه الدولة والمواطنين، بالإضافة إلى التأثير السلبى على قدرة قطاع البترول فى تنفيذ مشروعات جديدة فى مختلف أنشطة صناعة البترول والغاز الطبيعى لكى يستطيع القيام بدوره الأساسى فى توفير الطاقة لكافة القطاعات باعتبارها عصب التنمية الاقتصادية مع التأثير السلبى على ضخ الشركات الأجنبية للاستثمارات اللازمة لأنشطة البحث والتنمية وزيادة معدلات الإنتاج من الزيت الخام والغاز، وبالتالي زيادة الاستيراد بالأسعار العالمية وزيادة قيمة الدعم.

وتابع "كما سينتج عن تلك التشوهات السعرية تراكم مستحقات الشركاء الأجانب لعجز السيولة لقطاع البترول، الذى يوجه معظم موارده لتغطية جانب من احتياجات السوق المحلى من خلال الاستيراد، بالإضافة إلى التأثير السلبى على التقييم المالي لقطاع البترول والدولة وعدم تحقيق الجدوى الاقتصادية لمشروعات ترشيد استهلاك الطاقة وتنمية مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة، وعدم تحقيق العدالة الاجتماعية وحصول الطبقات الغنية الأكثر قدرة على أكبر نسبة من الدعم".

وأكد الملا أنه مع تزايد الخلل في منظومة دعم المنتجات البترولية مضت الحكومة قدما في تنفيذ برنامج معلن لتصحيح منظومة الدعم تدريجيا اعتبارا من عام 2014 وعلى مدار 5 سنوات، وتم تنفيذ خطوات متتالية في هذا البرنامج على مدار السنوات الماضية بدأت فى يوليو 2014 ثم نوفمبر 2016 ويونيو 2017، وأخيرا في الوقت الحالى.

وشدد على أن هذا البرنامج الاصلاحى ليس هدفا فى حد ذاته إنما هو أداة لإصلاح الخلل وتصحيح مسار الدعم، حيث تلتزم الحكومة بتوجيه ما يتم ترشيده من دعم المنتجات البترولية إلى قطاعات حيوية للمواطن مثل خدمات الصحة والتعليم والنقل.

ولفت إلى أنه على الرغم من الزيادة الأخيرة فى أسعار المنتجات البترولية، فإن الحكومة لازالت تدعم مختلف أنواع المنتجات البترولية، ولم يصل السعر المحلى بعد إلى قيمة تكلفة انتاجها حيث يمثل الإنتاج المحلى نسبة حوالى 70% من الاستهلاك، ويتم استيراد الـ30% الباقية.

وأكد الملا أنه لازالت نسبة إيرادات البيع بالسعر المحلى إلى التكلفة تمثل حوالى 75% - 80%، وتضع وزارة البترول والثروة المعدنية استراتيجية جارى تنفيذها لزيادة الإنتاج المحلى من البترول والغاز لتقليل نسبة الاستيراد وخفض التكلفة.

كما شدد على أن ترشيد الاستهلاك المحلى من المنتجات البترولية أصبح ضرورة حتمية فى ضوء الزيادة المطردة فى عدد السكان والبرامج التنموية الطموحة، فضلا عن الاستفادة من الفرصة البديلة الناتجة عن تصدير الكميات التى يمكن توفيرها نتيجة الترشيد من خلال تصديرها.

ونوه الملا بأن الحكومة اتخذت عددا من الإجراءات والسياسات وبرامج الحماية الاجتماعية (برنامج تكافل وكرامة، معاش الضمان الاجتماعى، الزيادة فى مخصصات بطاقات التموين) الكفيلة بحماية الفئات غير القادرة الأولى بالرعاية وتخفيف الآثار المترتبة على زيادة أسعار المنتجات البترولية ومراعاة البعد الإجتماعى، ويتمثل ذلك فى حزمة من الإجراءات.

وبين أن قيمة ما ستتحمله الخزانة العامة للدولة نتيجة الزيادة الأخيرة فى المعاشات وزيادة الأجور للموظفين والعاملين بالدولة (9 ملايين مستفيد من أصحاب المعاشات و6 ملايين موظف) بلغ 60 مليار جنيه.. كما أن موازنة برامج الحماية الاجتماعية (برنامج تكافل وكرامة ومعاشات الضمان الإجتماعى) للعام المالى 2018 - 2019 حوالى 5ر17 مليار جنيه، وارتفع دعم السلع التموينية بحوالى 4 مليارات جنيه ليرتفع إلى 2ر86 مليار جنيه فى موازنة عام 2018 - 2019.

وأكد وزير البترول أن البرنامج المصرى لتصحيح مسار الدعم لم يكن بمعزل عما يشهده العالم، فقد خاضت العديد من الدول تجارب ناجحة للإصلاح الاقتصادى وتصحيح مسار الدعم تدريجيا حتى وصلت إلى مكانة اقتصادية متميزة إقليميا وعالميا.