عمرو الخياط يكتب: رسائل السيـسي المتدفقة
يوما بعد يوم تتحول الندوات التثقيفية إلي مؤسسة، الهدف الرئيسي الظاهر هو تحقيق التواصل المباشر بين القيادة السياسية والنخب المختلفة إلي جانب تحقيق الاتصال الجماهيري الذي يصبح متاحاً بكل تفاصيل الندوات ويكتمل بكلمة الرئيس وتعبيرات ملامح وجهه ولغة جسده، أساليب متعددة للتواصل تتيح استجابات مختلفة للفهم والإدراك.
منظومة إعلامية احترافية متكاملة تتيح التعرف المستمر علي تطور الأداء الرئاسي وفقا لمستجدات المواجهة، كما تتيح التعرف علي مكنون ما يدور داخل العقل الفوقي لإدارة الدولة وهو ما يجب أن يترتب عليه تفاعل متطور من جانب الحاضرين الممثلين لقيادة الرأي بأساليب مختلفة.
لاحظ أن الوحيد تقريباً الذي كان يدون ملاحظات مكتوبة هو الرئيس عبدالفتاح السيسي نفسه، حتماً هذه الملاحظات سيكون لها نصيب من الندوات المقبلة.
حاول الرجوع إلي الندوات واحدة تلو الأخري، حاول أن تبذل مجهوداً لإعادة تحليل مضمون رسائلها منذ أن كان عبدالفتاح السيسي وزيراً للدفاع حتي خلال فترة السطو الإخواني علي البلاد، تذكر عندما خرج مرتدياً الزِي العسكري رافعاً يده المتشابكة مع وزير الداخلية آنذاك اللواء أحمد جمال ومن بعده اللواء محمد إبراهيم يحيط بالمشهد أطياف المجتمع إلا ممثلا عن تنظيم الإخوان!.
ارجع إلي الندوات لتدرك دستور وطن ودولة حارسها الأمين قواتها المسلحة التي لاتملك أن تحيد عن هذا الوطن.
ارجع إلي الندوات وتذكر فإن الذكري تنفع المصريين، ارجع إلي الصور لتستبين لك لوحة الوطن تزدان بصور الشهداء لتعرف حجم الدماء المبذولة، في الخلفية من اللوحة ومن مكان بعيد تأتي نغمات أغنية »صورة» للعندليب تخالطها أصوات ترانيم وأصوات أبناء الشهداء.
ارجع إلي الندوات لتجد فصولاً من كتاب الوطن متاحة بين يديك تتدفق رسائلها الكاشفة عن أداء رئاسي متسق مع ذاته، اجمع فصول الوطن فإذا صادفتك مشكلة في الفهم تأكد أن لديك قصوراً في الإدراك ناتجاً عن فتور في الهمة والعزم بعد أن استجبت لمشاعر الملل من طول المعركة، الملل هنا والتولي يوم الزحف رفاهية غير متاحة طالما ظلت النفوس المحاربة محتفظة بصلابة معادنها.
لو أن مللاً مشابهاً أصاب جيشك وشعبك بعد نكسة ٦٧ الظالمة لكانت سيناء الآن خارج دفتي كتاب الوطن.
ادع شئونك المعنوية في قواتك المسلحة لجمع الرسائل في كتاب الوطن بإصدار جديد يظل متاحاً للأجيال القادمة نتلوه جيلا بعد جيل في حب هذا الوطن.
خلال الندوات تتدفق رسائل السيسي محاولة الوصول من منابعها الأصلية إلي المعدن الأصيل للشعب المصري الذي ظل علي الدوام قاعدة الارتكاز الصلبة لهذه الدولة التي طالما تحطمت علي صخرتها كل محاولات الغزو والإسقاط المتكررة في عمر الوطن.
لكن عمليات الاستهداف المستمرة أدركت أن هذا الوعي هو حائط الصد الحقيقي لحركتها التي لا تتوقف وإن تغيرت اشكالها وأساليبها وتكتيكاتها، وعلي ذلك انطلقت مخططات الاستهداف المباشر لمساحات هذا الوعي في تدفق لا يتوقف، الا أن هناك رجالا في ميدان الوطن قرروا التصدي لاندفاع هذه السيول نحو قلب الوطن لإغراقه في سيول الفوضي والتخريب، لقد كانت دوما تدفقات رسائل الحماية والبناء في مواجهة رسائل الهدم والتخريب.
الرسائل الوطنية المتدفقة في كل ندوة تسابق الزمن لتحيط بالوعي المستهدف علي الدوام من أجل التحصين الذي لن يتحقق الا باستمرار التواصل والاتصال.
في الندوة الأخيرة التي تزامنت مع انتصارات أكتوبر ظهر الرئيس السيسي أكثر وضوحا وأريحية، الرجل راح يتحدث عن الإرادة المصرية باعتبارها كلمة السر القادرة علي تحقيق المعجزات، ثم تكلم بشكل مباشر عن أهمية معرفة الناس للحقائق حتي يمكن أن تتكون لديهم صورة واضحة وواقعية عن حقيقة ما يحدث وفقا للإمكانيات المتاحة، وأن المغامرات غير المحسوبة ليس لها مكان في إدارة الدولة، مؤكدا أن النجاح التام لا يمكن أن يكون صدفة بل نتاج عمل يهتم بأدق التفاصيل ويخضعها للتجربة المحكومة بقواعد المنطق، السيسي أكد أهمية إدراك كيفية الاستخدام الأمثل للإمكانيات مهما كانت محدودة شريطة إدراك الهدف المطلوب تحقيقه قبل بدء التحرك، في كل تفاصيل الندوة كان حريصا علي أن يذكر نفسه والحاضرين بمرارة الهزيمة التي عاشها وبحلاوة النصر الذي رَآه بعينيه محمولا علي قواعد الجيش المصري الذي التف حوله شعبه، لكن سرعان ما عاد السيسي إلي الواقع الحاضر في جرأة غير مسبوقة عندما وصف ماحدث في يناير ٢٠١١ بأنه علاج خاطئ لتوصيف وتشخيص خاطئ.
السيسي تكلم عن مسئولية وأمانة القرار خاصة عندما تكون مسئولا عن دولة بحجم مصر بكل مايحيط بها من ظروف وضغوط متواصلة تفرض حالة توعية مستمرة.
بكامل مشاعر المسئولية تحدث السيسي شارحا مرارة الضغوط الاقتصادية التي يعانيها المواطن لكن وضوح الهدف قادر علي تجاوز هذه الآلام التي فرضتها طبيعة الظرف الضاغط علي أعصاب الدولة.
السيسي عاود التأكيد علي أن الدول لا يمكن أن تبني بالخداع وأن بناء الشعبية لا يمكن ان يتم علي حساب الشعب.
لم تكن ندوة عادية أو لقاء دوريا بل خطاب الي ضمير وعقل كافة شهود المرحلة المصيرية التي تمر بها الدولة المصرية.
لقد كانت الرسائل تتدفق من واقع ممزوج بالألم والأمل اللذين حملهما الرئيس كرها وطوعا ولم يجد سبيلا إلا المواجهة والمصارحة مادام الهدف هو بناء دولة الحقيقة وليس دولة الوهم. نقلا عن صحيفة أخبار اليوم.