السعودية علي ضفاف النيل
عمرو الخياط
في رحاب دار الأوبرا المصرية في قلب القاهرة التقي الرئيس عبد الفتاح السيسي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان في حضرة عرض مسرحي لشباب مصري، اللقاء جاء ليؤكد أن الفن المصري مازال قادراً علي ان يكون وسيلة متاحة لتوحيد الشعوب العربية، اللقاء جاء ليثبت أن مصر مازالت متفردة بقدرتها علي الانتاج الفني صاحب القدرة النافذة علي الوصول إلي الشعوب العربية في بيوتها لتجوب مسامعهم اللهجة المصرية الطيبة فتربطهم بأصل الحضارة والتنوير والفنون والآداب ولتؤكد عليهم الحقيقة الثابتة هنا الفن »هنا القاهرة». الزيارة جاءت في وقت تشهد فيه المملكة العربية السعودية تغيراً تاريخياً نحو ثقافة أكثر انفتاحا يقودها تيار شاب ربما وجد في القاهرة ضالته المنشودة لنموذج حقيقي علي التعايش وقبول الآخر والاندماج تحت سقف الدولة المدنية الوطنية التي تستطيع الحفاظ علي قيمها وثوابتها ومبادئها وتعاليم دينها كوسيلة لضمان جودة الحياةفي طريقه من مشيخة الأزهر متجها الي الكاتدرائية المرقسية بالعباسية تأكد صاحب السمو الملكي أن مصر هي نموذج حي لنبذ الطائفية والانحياز، هي نموذج حي لصلابة الدولة الوطنية. • • • ولي العهد السعودي لم ينه زيارته إلا بعد اطمئنانه علي انتهاء ترميمات الجامع الأزهر شاهداً علي التاريخ بأن الوسطية واللاطائفية حتما ستصمد وستنتصر، شاهدا علي الحقيقة بأن الأديان جاءت من أجل إسعاد البشر، تلك السعادة التي لن تتم الا بالقدرة علي قبول الاخر، وهو ليس بالأمر الغريب علي الأمير الشاب الذي تشهد بلاده سنويا حالة فريدة من توحد الشعوب علي اختلاف لهجاتها ولغاتها وثقافاتها وطقوسها حينما تلتقي سنويا في موسم الحج، فإذا انقضت الشعائر فلا ينبغي أبدا أن تنقضي المشاعر. علي جانبي المسافة من القاهرة إلي الرياض تظهر بوضوح كل دواعي التوحد بين الشعوب العربية، لكن هذه الوحدة لا يمكن أن تكون نموذجا مقنعا طالما أن هذه الشعوب مازالت غير قادرة علي أن تتعايش داخليا في أوطانها لتنتقل بعد ذلك إلي التعايش في إقليمها. • • • برفقة الرئيس المصري والأمير السعودي وقف الشيخ الطيب في بهو الجامع الأزهر بردائه الأزهري العتيق رمزاً للوسطية التي لم تعرف مثالا حيّا لها كما عرفته في مصر،، وقف الشيخ الذي كان حائطا لصد مخططات التنظيمات المتأسلمة التي حولت الاسلام من مشروع للوحدة والحياة إلي مشروع للفرقة والتحزب، وقف أمام التنظيمات التي حولت مشروعها من خدمة الاسلام الي استخدام الاسلام. وبينما كان الجميع في صحن المسجد حضرت حولهم أجواء التاريخ القادمة من الجهة المقابلة حيث حي الجمالية الذي تختلط فيه فنون العمارة بروحانيات المساجد، وحيث نشأ عبدالفتاح السيسي فشهد منذ الصغر نموذجا حقيقيا للتنوع والاختلاف كوسيلة للتعايش والتعارف وليس كأداة للتخاصم والخلاف. • • • المشهد بأكمله تطغي عليه ظلال ثورة الدولة المصرية في ٣٠ يونيو التي حتما امتدت أنوارها الي محيطها العربي فأوقفت زحفاً استعمارياً جديداً ًاستهدف احتلال الهويات الوطنية وطمسها بعدما التحف برداء الاسلام، لكن صلابة الدولة المصرية كشفت الغطاء عن هذا المشروع فأسقطت أوهاما طالما ظنها الكثيرون انها قادرة علي إدارة دولة، ولتثبت هذه الثورة انها ليست تجربة محلية بل نموذج فلسفي قابل للتمدد الي محيط إقليمه بعدما قدمت تجربة عملية لعبقرية الفكرة الاسلامية التي اعترفت أساسا بالشعوب والقبائل فجاءت لتجعل هذا الاختلاف وسيلة للتعارف وليس وسيلة لاحتكار الحقيقة وفرضها بالقوة علي حساب الهويات الأصيلة التي ربما تكون سبقت هذا الدين في الدول العتيقة. • • • الزيارة انتهت وقتيا بمغادرة الأمير السعودي لكن آثارها وتأثيراتها لابد وأنها ستبدأ من القاهرة امتدادا إلي الرياض،لبدء مشروع حقيقي للتنوير يستمد قبس نوره من ضياء ثورة ٣٠ يونيو ثم يتمدد إلي محيطه العربي والاقليمي فيتصدي لمحاولات تشويه الاسلام التي حاولت التنظيمات الاخوانية وروافدها فرضها علي الشعوب العربية، لكن الثورة المصرية العظيمة كشفتها تنظيميا وسياسيا واثبتت انها لاتصلح لحكم ولا ادارة، ليس ذلك فحسب بل إن مصر قررت أن تقود مشروعا تنويريا لشغل المساحات التي خلفتها تلك التنظيمات لتضمن عدم عودتها الي وجدان وعقول الأجيال الناشئة. • • • »هنا القاهرة»، هنا أصل الحضارة والضياء والتنوير، هنا أصل الموهبة والابداع المتدفق، هنا بداية الطريق إلي عالم عربي وإسلامي توحده الفنون ومواطن الجمال والثقافة، حتما البداية من هنا من قاهرة الظلام والإظلام، هنا حيث تم صياغة الفنون الاسلامية في قوالب معمارية في القاهرة الفاطمية حيث كانت زيارة الأزهر الشريف، امتدادا إلي بيت الفنون الحديثة في دار الأوبرا المصرية، وفِي المسافة بينهما تجد المتحف المصري مليئا بقطعه الفنية الضاربة في جذور التاريخ مرورا بخشبات المسارح التي تملأ شوارع القاهرة الخديوية شاهدة علي رصيد فني مهول طالما أمتع الشعوب العربية عندما حل ضيفا في بيوتهم وأطربهم باللهجة المصرية التي كانت وسيلة لوحدة الشعوب علي أرضية الفنون والانسانية، هنا القاهرة حيث تصاغ الإنسانية في قوالب فنية وأدبية فتصبح مادة صالحة للتداول والتواصل.
نقلا عن صحيفة أخبار اليوم