بريطانيا في مفترق طرق بعد رفض مجلس العموم خطة «ماي» للخروج من الاتحاد الأوروبي
أ ش أ :
رفض مجلس العموم البريطاني بأغلبية ساحقة الاتفاق الذي توصلت إليه رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي، للخروج من الاتحاد الأوروبي والمعروف اختصارا بـ(بريكست) الذي وافق عليه الاتحاد الأوروبي ويرفض إجراء أي تعديل أو تغيير فيه؛ ما وضع المملكة المتحدة في مفترق طرق وجعلها على مشارف وضع سياسي واقتصادي يدعوها للقلق على مستقبلها بعد دخول "بريكست" حيز التنفيذ المقرر له نهاية شهر مارس القادم.
وعقب الرفض، تقدم زعيم حزب العمال المعارض جيرمي كوربين مذكرة -سيناقشها مجلس العموم لاحقا- لسحب الثقة من حكومة ماي، الأمر الذي قد يؤدي إلى إجراء انتخابات عامة مبكرة، مايجعل الوقت ضيقًا أمام ماي (وزيرة داخلية بريطانيا من عام 2010 إلى عام 2016)، وحكومتها .. فلم تعد ماي "المرأة الحديدة" بعد الآن؛ ذلك اللقب الذي وصفها به الكثيرون منذ توليها منصبها كرئيسة للوزراء وزعيمة لحزب المحافظين في 2016 عقب استقالة ديفيد كاميرون، وكان التركيز الرئيسي لدور ماي في تلك المرحلة هو الدخول في مفاوضات لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
خروج بريطانيا الوشيك من الاتحاد يعد من أبرز وأصعب التحديات التي تنتظر أوروبا خلال العام الحالي؛ حيث سيهيمن على الشهور الثلاث الأولى من عام 2019 مفاوضات "الشد والجذب" بشأن "بريكست" ، حيث من المقرر أن تخرج المملكة المتحدة تنفيذيًا من دائرة اليورو عند الساعة 11 قبل منتصف ليل يوم 29 مارس 2019 بتوقيت جرينتش.
فشلت ماي أمس (الثلاثاء)، في تمرير اتفاق البريكست من مجلس العموم البريطاني، وبهذا تضاءلت فرص التوصل إلى خروج منسق من الاتحاد أو "خروج ناعم" يمنح بريطانيا بعض المزايا التجارية والجمركية بعد الانفصال، فيما تؤكد بروكسل أنها قد تقبل بتوضيحات للاتفاق، لكنها لن تعيد التفاوض حوله، ومع ضيق الوقت سيكون على بريطانيا الاستعداد لسيناريو " لا اتفاق "؛ الذي سيجعلها تودع دائرة اليورو دون اتفاق أو ترتيبات حول التجارة أو العلاقات العامة المستقبلية مع الدول أوروبية الأعضاء.
ماي - التي منيت بخسارة كبيرة في مجلس العموم - علقت على نتيجة التصويت قائلة إن "البرلمان عبَّر عن رأيه والحكومة ستستمع" ، ووعدت بتقديم خطة للخطوات التالية للخروج من الاتحاد الأوروبي، يوم الإثنين المقبل، في حال لم يسحب البرلمان الثقة من الحكومة التي تترأسها، مجددة تحذيرها بأن تنظيم أي استفتاء آخر حول الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست) ، لن يؤدي سوى للانقسام والفرقة، ومشددة على أن الاتحاد الأوروبي لن يقبل بأي اتفاق آخر.
وفي حال نجت رئيسة الوزراء البريطانية من سحب الثقة ، وهو ما يتوقعه الكثيرون في المجال السياسي هناك، سيكون أمامها فترة قصيرة (حوالى 72 يوما ) لإيجاد حلول بديلة للاتفاق التي تتفاوض عليه للخروج من الاتحاد الأوروبي ، وسيكون لنواب البرلمان في هذه المرحلة دور أكبر في اقتراح بدائل للاتفاق ، أما الاحتمال الأسوأ فهو أن تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق .. أما في حال موافقة المجلس على سحب الثقة من حكومة ماي ، ستجرى انتخابات عامة للحصول على تفويض من الشعب عبر صناديق الاقتراع، ويتطلب ذلك الحصول على موافقة ثلثي أعضاء مجلس العموم ، وفى هذه الحالة سيكون أمام بريطانيا احتمالين لا ثالث لهما؛ إما التفاوض على اتفاق آخر يتضمن تعديلات تغييرات جوهرية على الاتفاق المرفوض وذلك بعد موافقة بروكسل، وهذا يتطلب وقتا مما يعنى تأجيل وقت الخروج، أو إجراء استفتاء جديد حول خروج بريطانيا أصلا من الاتحاد الأوروبي.
وكانت المملكة المتحدة قد اتخذت قرارا بمغادرة الاتحاد الأوروبي استنادا إلى نتيجة الاستفتاء الذي أجري في يونيو عام 2016 الذي حسم فيه البريطانيون موقفهم بالموافقة، وبعده بدأت لندن رسميا مفاوضات خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي عبر تفعيلها للمادة 50 من اتفاقية لشبونة التي تنظم إجراءات الخروج .. موافقة الشعب على الخروج جاءت بهدف التخلص من عبء المهاجرين واللاجئين ، حيث تشير آخر الإحصائيات إلى أن عدد المهاجرين في بريطانيا يقدر بـ863 ألف مهاجر، وهو ما يشكل عبئا بقيمة تتجاوز 3.67 مليارات جنيه استرليني (4.131 مليارات دولار) سنويا ، بحسب جامعة "مدرسة لندن الاقتصادية"، بالإضافة إلى الخوف من الإرهاب حيث سيوقف الخروج من الاتحاد اتفاقية الحدود المفتوحة بين دوله، وهو ما قد يحول دون مجيء الإرهابيين إلى بريطانيا.
وطمعت لندن في توفير أموال استقبال المهاجرين عبر الحدود للصحة والتعليم، متوقعة توفير 350 مليون جنيه استرليني (480 مليون دولار) أسبوعيا لحساب الخزينة البريطانية.
وعود فضفاضة بالازدهار رددها المسؤولون المؤيدين لـ " بريكست" على أسماع المواطن البريطاني الرافض للبقاء في الاتحاد، وعود مثل "إذا استعدنا السيطرة على بلادنا واقتصادنا وديمقراطيتنا، نستطيع عندها أن نزدهر كما لم نزدهر من قبل" ، وتلك الوعود امتلأت بها الصحف المؤيدة للخروج، ومنها صحيفة "صنداي تايمز"، التي نشرت تقول "لو كان هناك دبلوماسية أفضل لكانت ستجعل الاستفتاء غير ضروري، ولكن الآن السؤال أمام الناخبين، فالخروج من الاتحاد الأوروبي هو أفضل طريقة لوقف المزيد من الاتحاد الاقتصادي والسياسي بين الطرفين".
فيما لعبت التجارة الحرة دورا في موافقة البريطانيين على الخروج من دائرة اليورو ، حيث قدم معسكر المعارضين تصورا عن أوضاع التجارة عقب الخروج، فكانت سببا كافيا لتوقع الأفضل بعد الرحيل من الاتحاد ، وذلك بزعم تمكن بريطانيا من إقامة علاقات اقتصادية مع دول الاتحاد دون خضوعها لقوانينه، حيث يمكنها إبرام اتفاقيات تجارية مع دول مثل أمريكا والهند والصين، بالإضافة لمساعي إقامة منطقة تجارة حرة ، فيما عزز مسألة استعادة النفوذ الدولي ، من رغبة البريطانيين للتصويت لصالح الخروج من الاتحاد في استفتاء عام 2016 للتحرر من سطوته التي أضعفت نفوذهم (من وجهة نظرهم ) ، وللحصول على مقاعد في مؤسسات عالمية، كانت خسرتها بسبب انضمامها للاتحاد الأوروبي كمنظمة التجارة العالمية.
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم بعد تلك التجربة وحالة الانقسام بين مؤيد ومعارض، فضلًا عن الوضع السياسي والاقتصادي المذبذب الذي يعيشه البريطانيون، هو : علام ستتفاوض بريطانيا في المستقبل؟ على كيفية الخروج من الاتحاد الأوروبي؟ أم على الخروج من الأساس؟ .. ويظل السؤال حول " ماذا ستكون النتيجة لو أجري استفتاء الخروج مرة أخرى؟" في انتظار قرار مجلس العموم البريطاني بالتصويت لصالح سحب الثقة من حكومة ماي، لنعرف إجابته.