حكاية عمو صبرى ويوم الدين

كتب: انس سمير

حينما شاهدت إعلانات فيلم «يوم الدين» الذي يعرض ضمن مهرجان الجونة السينمائي، ويقوم ببطولته أحد مرضى الجزام المتعافين، تذكرته على الفور، تذكرت هذا الوجه الهادئ الرزين. كنت دائما منذ طفولتي أنتظر زيارة «عمو صبري» السنوية لصديقه سمير راتب بقريتنا بالبحيرة، وأتلهف لزيارتي له مع والدي بمنزله بالمنيب، أترقب حديثه الشيق عن آخر نشاطاته الإنسانية. يبدأ عمو صبري بأسلوب قاص ماهر، وبابتسامة صافية سرد تفاصيل آخر رحلة له، تارة يحدثنا عن سفره إلى سيوة، ونشاطاته بها، يتحدث عن سعادته بالتعرف على ثقافة أهلها وعاداتهم، وتارة يحدثنا عن جولاته بمحافظات الصعيد، كان يعشق السفر، زار محافظات مصر كلها تقريبا، لكنه لم يكن يكتفي بدور«الرحالة» بل يترك بصمته الخيرية، يحاول أن يعلم أهل القرى إجادة بعض الحرف، يقنعهم بمشروع التشجير الذي يتبناه، فيمنحهم عددًا من الأشجار المثمرة لزراعتها على الطرق الرئيسة، كان يتمنى أن تحاط قرى مصر كلها بالأشجار المثمرة.

عمو صبري كان عاشقا لتراث مصر الثقافي والأدبي، أتذكر جيدا حينما طلب من والدي زيارة مكتبة وضريح الأديب الراحل محمد عبدالحليم عبدالله بقرية كفر بولين المجاورة لقريتنا، وفوجئ وحزن حينما وجد الإهمال يضرب المكتبة والضريح، وتواصل في الفور مع الإعلامية حنان عبدالله لإنقاذ ضريح والدها.

أتذكره جيدًا وهو يشجعني على دراسة الإعلام، ويحدثني عن أصدقائه الصحفيين الذين يلازمونه في بعض جولاته، فعينه دائما كانت تسبق الصحفيين إلى مناطق المعاناة. ابتسمت حينما شاهدت إعلان فيلم «يوم الدين»، وتذكرت حينما حدثني عن زيارته لمستعمرة الجزام، وجلوسه مع بعض المرضى هناك، تذكرت السعادة التي رسمت على وجهه وهو يؤكد لي أنه احتسى معهم الشاي، كان من أوائل من طرقوا أبواب هذه المستعمرة واصطحب معه عددا من الصحفيين الذين كتبوا تحقيقات حول هذه القضية. تحمسه لتسليط الضوء على معاناة مرضى الجزام، دفعني للتفكير في تنفيذ مشروع تخرجي في كلية الإعلام عن مستعمرة الجزاء، وكان سعيدا جدا حينما أخبرته بذلك، لكني للأسف لم أف بهذا الوعد.

حدثني عمو صبري هاتفيا قبل وفاته العام الماضي بشهور، وشجعني كثيرا كعادته، كنت أتمنى فقط أن يمد الله في عمره كي يشاهد فيلم يوم الدين و يرى حلمه وهو يتحقق، كي يرانا ونحن نعترف بعنصريتنا، متيقن أنه كان سيسعد بهذا الفيلم

. صبري عبدالعال، مفتش التليفونات، هذا الرجل الزاهد الهادئ خفيف الظل وهب حياته للآخرين، فاستكانت له الحياة.. رحم الله عمو صبري.