صالح الجعفراوي.. عدسة الحقيقة التي نجت من قصف الاحتلال فأسكتها رصاصات الأشقاء

في مدينةٍ لا تهدأ فيها صافرات الإنذار ولا تغيب عنها أصداء الانفجارات، لمع اسم الشاب الفلسطيني صالح عامر الجعفراوي كأحد أبرز الأصوات التي أوصلت معاناة الغزيين إلى العالم، قبل أن يُغتال صوته بعد 26 عامًا فقط من الحياة، مساء الأحد 12 أكتوبر 2025، في حي الصبرة جنوبي مدينة غزة.

وُلد الجعفراوي في 22 نوفمبر 1998، في قطاع غزة، ونشأ في بيئة اعتادت على الصمود. ومع اشتداد وتيرة العدوان الإسرائيلي المتكرر على القطاع، تحوّل من شابٍ عادي إلى عين لا تنام، تلاحق التفاصيل من بين الركام، وتنقل أنين الأطفال، وصرخات الأمهات، والدمار الذي يطال البشر والحجر.

بدأت مسيرته الإعلامية خلال إحدى جولات التصعيد، حين قرر أن يحمل الكاميرا بدلاً من البندقية، واختار أن يكون شاهداً لا صامتًا، عرف كيف يستثمر أدوات العصر، فكان ناشطًا فاعلًا على منصات التواصل الاجتماعي، وتحديدًا عبر إنستجرام، حيث تابع صفحته أكثر من ثلاثة ملايين شخص، بالإضافة إلى حضوره المؤثر على إكس (تويتر سابقًا) ويوتيوب.

حظي الجعفراوي بثقة جمهور واسع، بسبب صدقه وقربه من الناس، إذ لم يكن يكتفي بنقل الحدث من بعيد، بل كان جزءًا منه. تواجد في الملاجئ والمستشفيات والمنازل المدمرة، يوثق المشهد بكامل ملامحه: الخوف، الأمل، الألم، والكرامة.

تحولت مقاطع الجعفراوي المصورة إلى مرآة يومية لحياة الغزيين تحت النار، وبات اسمه مرادفًا للحقيقة المجردة التي ندر أن تُنقل في ظل الحصار المفروض على القطاع، والقيود التي تُفرض على الصحفيين الدوليين.

في مساء الأحد، 12 أكتوبر 2025، كان الجعفراوي يُغطي اشتباكات مسلحة في حي الصبرة بمدينة غزة، كما فعل مئات المرات من قبل. لكن هذه المرة، سكتت عدسته إلى الأبد، بعدما أصيب بـ سبع رصاصات قاتلة، وفقًا لما أكده المركز الفلسطيني للإعلام.

وذكرت المصادر الطبية أنه وصل جثمانه إلى مستشفى المعمداني، بعد انقطاع الاتصال به خلال تغطيته للجرائم الإسرائيلية في الحي الجنوبي من المدينة.

برحيل صالح الجعفراوي، فقدت غزة واحدًا من أكثر الأصوات صدقًا وجرأة، لكن إرثه سيبقى. ملايين المقاطع، الصور، والقصص التي نقلها ستظل حية على منصاته، تشهد على معاناة شعب، وصمود مدينة، وشجاعة شاب قرر أن يقول الحقيقة حتى النهاية.

لم يكن صالح مجرد صحفي، بل كان ضميرًا بصريًا للعالم، وواحدًا من أبناء غزة الذين آمنوا بأن الكلمة والصورة يمكن أن تكونا أقوى من الرصاص.