عيد الفطر تحول إلى مظاهرة ضد الإنجليز .. لماذا حمل المتظاهرون محمد عبد الوهاب على الأكتاف؟

'قوم يا مصري.. مصر أمك بتناديك'.. كلمات وطنية لأغنية وطنية أصيلة من تأليف بديع خيري وألحان الرائع سيد درويش، لكن هل تعرفون ذكراها مع عيد الفطر أثناء ثورة 1919؟

لم يكن عيد الفطر عام 1919 مجرد مناسبة للاحتفال، بل أصبح يومًا محفورًا في ذاكرة محمد عبد الوهاب، حين امتزجت تكبيرات العيد بهتافات الثورة، وارتفعت الأعلام بدلًا من زينات الاحتفال.

كان عبد الوهاب شابًا لم يتجاوز السابعة عشرة، يتلمس خطواته الأولى في عالم الفن، لكنه وجد نفسه فجأة وسط لحظة وطنية فارقة ستظل عالقة في ذهنه إلى الأبد.

محمد عبد الوهاب

مع انطلاق صباح العيد، ارتدى عبد الوهاب ملابسه الجديدة وذهب إلى مسجد الشعراني لأداء الصلاة، وكان المسجد يعج بالمصلين، لكن القلوب لم تكن منشغلة فقط بالفرحة، بل بالغضب ضد الاحتلال الإنجليزي.

وما إن انتهت الصلاة، حتى تحول الخروج من المسجد إلى بداية لمظاهرة حاشدة، هتف فيها الآلاف بسقوط الإنجليز.

وسط الحشود الغاضبة، تعالت الأصوات مطالبة عبد الوهاب بأن ينشد نشيد الثورة، وحين بدأ في غناء 'قوم يا مصري.. مصر أمك بتناديك'، ارتفع فوق الأكتاف كرمز للحرية، يهتف مع الجماهير التي كانت تجوب شوارع القاهرة.

ومع كل خطوة، كانت المظاهرة تكبر حتى تجاوز عدد المشاركين فيها عشرين ألفًا، لكن الاحتلال لم يتركهم دون رد فعل.

محمد عبد الوهاب

عند شارع عبد العزيز، تصدى الجنود الإنجليز للمسيرة بوابل من الرصاص، فعمت الفوضى وسقط بعض المتظاهرين جرحى.

عبد الوهاب كان في قلب المشهد، وحين أوشك على أن يُصاب، ألقاه الثوار أرضًا لحمايته، ثم فر مع البقية، يركض بين الأزقة والشوارع بحثًا عن مأوى بعيدًا عن بطش المحتل.

كان ذلك العيد مختلفًا عن أي عيد آخر مر به عبد الوهاب، فقد غاب عنه الاحتفال المعتاد، لكنه منحه ذكرى لا تُنسى، ذكرى شاب حمله الشعب على الأكتاف ليغني للحرية، قبل أن يصبح صوته فيما بعد رمزًا للفن المصري، يحمل دائمًا بين ألحانه روح الثورة والوطن.