فتنة الأهلى والزمالك.. التعصب الرياضي تحت المجهر ..تاريخه وأسبابه وعلاجه

شهدت مباراة القمة بين الأهلى والزمالك، التى جرت أمس الخميس، على لقب السوبر المصري، أحداثا مؤسفة، بين لاعبى الفريقين من جهة، والجماهير من جهة أخري.

وتصاعدت الحساسيات الجماهيرية في اللقاءات الرياضية مؤخرا، وجعلها تخرج خروجا صارخا على مفهوم التشجيع الرياضى، ما ينذر بعواقب وخيمة.

وفي عالمنا الرياضي اليوم، تعاني الرياضة عموماً وكرة القدم خاصة، من تعصب الجمهور والإدارات الرياضية علي حد سواء، حيث يحاول المتعصب لنادٍ أو لاعب معين مثلاً التقليل من شأن المنافس أو الخصم، دون وجه حق، حتي ولو كان الخصم أفضل من النادي الذي يشجعه بشهادة الجميع.

والتعصب الرياضي المبالغ فيه سواء بممارسة الشتم أو القذف أو النقد الجارح وقد يصل إلي أمور أخري أشد كالإيذاء البدني والمادي، وتخريب المنشآت، فالتعصب الكروي يفقد مشاهدة كرة القدم المتعة والاثارة، ومن المؤلم أن نري بأن التعصب الرياضي قد وصل لمرحلة خطيرة جداً مقلدين في ذلك تعصب الغرب الأعمي كما في دول أمريكا الجنوبية.

البعض يري في التعصب أمراً طبيعياً، بين الجماهير ، ونحن نقول إن هناك فرقاً بين التشجيع وبين التعصب ، فالتشجيع هو جزء مهم من الوفاء للفريق والنادي والمنتخب وحق علي من يحب فريقه، لكن التعصب غير التشجيع، فمنذ وجدت الكرة وجدت معها الانتماءات والميول التي تخطت حدود المعقول أحياناً كثيرة، فالرياضة اليوم، إذا خلت من التعصب فلاشك أنها تكون ذات منفعة عظيمة.

ولأن الرياضة متعة بريئة ترتقي بالنفوس وتسمو بها، ويجب أن تستغل لتصلح فيما بيننا، لا ننكر أن لكل منا انتماءه لنادي بعينه، وهذا أمر طبيعي، لكننا أخوة قبل كل شيء فلا يجوز الخصام أو الشجار من أجل مساندة فريق أو ناد، بدل من أن نتابع فريقنا ونشخص هفواته نقوم بالبحث عن أخطاء الفرق الأخري والتصيد لها ،وعلاج ذلك هو الروح الرياضية التي تسود عالم الرياضة، وهو ما يطمح له الجميع في هذا العالم المليء بالفتن والمشاكل، كفانا الله شر التعصب الرياضي.

ولاشك أن التعصب الأعمى أمر ممقوت،  لأنه يولد الحساسيات بين الجماهير وهو سلوك مرفوض يعبر عن الخروج على مبادئ الرياضة، وقيمها وانحراف خطير في السلوك الرياضي السليم،  كما أنه بعيداً كل البعد عن التنافس الشريف والأهداف النبيلة للقاءات الرياضية.

التعصب الرياضي موجود لدى جميع الشعوب

التعصب الرياضي ليس حكراً على البلاد العربية فقط بل ينتشر في مختلف بلاد العالم وإن كان بمستويات ودرجات مختلفة وحتى شكل مختلف، فهناك تعصب المشجعين لأنديتهم في إنجلترا وفرنسا والتي تعتبر من الدول المتقدمة.

وقد يصل التعصب إلى مستوى شغب ملاعب ويتخلل هذا الشغب مستويات خطيرة، مثل الاعتداء الجسدي، والتحرش والتكسير والإضرار بالمحال التجارية حتى أن بعض البلاد سجلت عمليات خطف، وقتل لمشجعين ولاعبين على خلفية تعصب رياضي.

نشأة وتاريخ التعصب والشغب الرياضي

المرة الأولى التي ظهر فيها العنف في الرياضة أو كرة القدم غير معروف بدقة ، ولكن يمكن تتبع الظاهرة بالعودة إلى التاريخ القديم الروماني مع ألعاب الأولمبياد، ونعرف جميعنا أن التعصب الرياضي عند العرب أدى لاشتعال حرب داحس والغبراء قبل البعثة النبوية حين اشتعلت الحرب بين القبيلتين بسبب سباق وقع بين فرسيْن وقد سبق أحدهما الآخر ما أدى لسلسلة معارك طاحنة أودت بحياة الكثيرين باستمرارها مدة أربعين عاماً، إن كان السبب الحقيقي لوقوع الحرب هو أنَّ الفرس الذي سيسبق سيحظى بحماية القوافل.

وفي إنجلترا في القرن الرابع عشر وتحديداً في عام 1314، حظر إدوارد الثاني لعبة شبيهة بكرة القدم حيث كانت تحدث اضطرابات بعد المباريات تؤدي لأعمال عنف.

ومن هنا فإنه لابد من الوقوف على طبيعة هذه الظاهرة السلبية وكشف مسبباتها ومن ثم اقتراح أنسب الحلول، لمعالجتها بالشكل الذي يجعل اللقاءات الرياضية وسيلة للتواصل والتعارف والتعاون وتعزيز قيم المحبة والأخوة والتضامن المنشود، خاصة أن التعصب الرياضي هو من أبرز العيوب والأمراض التي تشوه الرياضة .

 

((أسباب التعصب ))

1- فقر الثقافة العامة عند اللاعيبين وعدم اتساع الفكر لديهم للتخلص من ردود الافعال المتباينة جراء الضغوط النفسية التى يتعرضو لها اثناء المباريات وعلى هذا تخرج افعالهم غير مرغوب فيها ينتج عن ذلك افعال قد تثير الجمهور المنافس واتساع رقعه الغضب المسببة للعصبية.

2- التصريحات التى تخرج من اللاعب لحظة الغضب او اثناء الهزيمة قد تجعلة يتفوة بكلمات جارحة للفريق والجمهور المنافس من هنا تتسع رقعه المصادمات وعدم تقبل الحديث بشكل او بأخر طالما يتم فى اطار التهكم على الآخرين.

3- تصريحات واحاديث مسئولى الاندية عندما تخرج للنيل من النادى الفلانى وجمهورة قد يزيد حالة احتقان شديدة بينهما.

4- بعض العاملين قى الصحافة التى تنتمي لناد معين او لهم ميول خاصة، فى الانتماء للنادى الفلان ينتقدون النادى المنافس بشكل فية سخرية او افتراء مما ينتج عن ذلك اشتعال الغضب الجماهيرى التى ترفض التقليل من شأن ناديها أو التفلظ عليه يتبع ذلك حالة خاصة من الكراهيه الشديدة لة والخطأ سيكون مشترك بينه وبين الجماهير .

4- نشر مقالات التعصب واستخدام عنواين مستفزة للخبر وانتقاء الكلمات التى تثير الجماهير تزيد من حالة الاحتقان الجماهيرى وخاصة اذا خرج المقال بصورة مغايرة لما تراة الجماهير .

5- وجود اللافتات فى المدرجات، وخاصة اذا كانت تحتوى على رسومات تسىء للنادى المنافس أو اى لاعب به أو تحتوى على عبارات التقليل من النادى الآخر وإثارة جماهيره ولاعبيه.

6- الهتافات العدائية فى المدرجات والخطأ فى لاعبى الفريق المنافس وسب اللاعيبين وجمهورهم والتغنى بهزيمته وتذكريهم بنتيجة مباراة سابقة هزم فيها أو بطولة خرج منها ويساعد على ذلك تفاعل اللاعيبين أنفسهم مع هذه الهتافات ومحاولة الرد على الجماهير لتأخذ الأجواء حيزا آخر من العداء والاجواء المتوترة.

((سلبيات التعصب))

1- خسارة الكثير من الاشخاص بسبب التعصب وحدوث كم هائل من الخلافات فى الرأى والتى تصل لحد العنف والخطأ بدون ذنب فمن منا لم يخسر اصدقاء له من قبل بسبب لعبة الانتماءات والتعصب للأندية .

2- عدم معرفة نقاط القوة والضعف فى الفريق الذى انتمى له لأنى أراه من منظور آخر غير الذى يحتمه العقل والمنطق وعدم معرفة اذا كان فريقى يستطيع الفوز من عدمة فى مباراة ما لأننى لا أرى العيوب .

3- افتقاد المعنى الحقيقى لمفهوم الرياضة، وعدم تقبل الهزيمة كما فى الفوز .

4 - اتلاف منشاءات اى استاد فى حالة الذهاب لمشاهده المباراة بها، وتحطيم المقاعد وتكليف النادي خسائر مادية هو فى غنى عنها.

 

((علاج التعصب ))

1- عمل لقاءات ودية بين جميع فرق الدورى ويكون شعارها ( نبذ التعصب من ملاعبنا الرياضية )

2- ارساء مفهوم غائب عن الجميع وهو الرياضة للإمتاع بعيدا عن التعصب، ويأتى ذلك بعمل ندوات رياضية فى كل انحاء الجمهورية ويساعد فى ذلك الأندية بالطبع.

3- التدخل الحكومى بابعاد كل من يساعد على التعصب من الاعلاميين والصحفيين وتوجية انذار لكتاب الميول، باستبعادهم فورا فى حالة عمل اى لقاء، أو عنوان أو خبر، لنشر التعصب بين الجماهير.

4- عمل زيارات دائمة بين مجالس الادارات واللاعبين من كل الفرق ويكون ذلك تحت شعار لا للتعصب

5- تأهيل العاملين فى الصحافة والإعلام وذلك من قبل الجهات المختصة.

6- نشر الثقافة بين الشباب من خلال المدارس والجامعات، وتوصيل معنى راسخ لديهم بتقبل الهزيمة والفوز وعدم الافتراء على الآخرين.

7- احساس اللاعبين على أن ردود فعلهم هى الاساس فى نشر التعصب من خلال عدم الاعتراض على التحكيم وتثقيفهم بقوانين الاحتراف التى يفتقدوا المعنى الأمثل لها فى كل المواقف.

8- استثمار كل أصحاب الاخلاق من اللاعيبين والرياضيين، بعمل برامج اعلامية لهم للتنبيه على نبذ التعصب لانهم قدوة .

9- الشفافية الكاملة من اى اتحاد لعبة ، وعدم التفرقة ما بين هذا او ذاك منعا لحدوث التصادمات التى نراها كل الوقت والمتسبب فيها رجال اتحاد الكرة بإتخاذهم قرارات عشوائية تزيد من حالة الاحتقان الجماهيرى وتشعل معها نار التعصب.

10- التعامل الفورى على أن الشغب فى الملاعب والهتافات العدائية وتحطيم المنشاءات هى خطر على أمن البلد، ولابد من الوقوف على الاسباب التى أدت الى ذلك ومعالجتها بالحل الأمثل دون ازديادها بقرارات عنترية من شأنها، توسيع رقعه التعصب بدون فهم الأسباب الحقيقة له.

سُبقت العضباء

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ' كانت ناقة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم - تسمى العضباء، وكانت لا تُسبق،  فجاء أعرابي على قعود له فسبقها، فاشتدّ ذلك على المسلمين وقالوا : سبقت العضباء،  فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ( إن حقا على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه ) رواه البخاري .

تروي لنا الأخبار من شأن النبي – صلى الله عليه وسلم –  مع ناقته 'العضباء' عجباً، تلك الناقة التي أثبتت الأيام سرعتها وقوّتها في كلّ السباقات التي كان فيها للنبي  عليه الصلاة والسلام حضور، حتى استقرّ في أذهان أصحابه ألاّ طاقة لأحدٍ في التفوّق عليها، أو نزع لقب الصدارة عنها، وظلّ الأمر على حاله حتى جاء اليوم الذي قدم فيه أعرابي من البادية، ويبدو أن الناقة التي جاء بها الأعرابي كانت أقلّ سنّاً وأكثر حيويّة، ما جعل المسافة بين الأعرابيّ وبين النبي – صلى الله عليه وسلم – تتقلّص، حتى استطاع أن يتجاوزه، وانتهى السباق على غير المتوقّع بفوز الأعرابي!

لم يستفق الصحابة رضوان الله عليهم من هول النتيجة، غيرةً منهم على صدارة النبي – صلى الله عليه وسلم – أن تمسّ، واستبدّت بهم مشاعر الإحباط، وبلغ منهم الحزن كلّ مبلغ، وإن كأس الهزيمة لمرير ورأى النبي – صلى الله عليه وسلم – ملامح الوجوه من حوله، فأدرك ما يعتمل في نفوس أصحابه من الألم الممضّ، وأراد استثمار الموقف، ليقرّر سنّة إلهيّة لا تتغيّر ولا تتبدّل :  (إن حقا على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه) .

إضاءات حول الموقف

يقدّم النبي – صلى الله عليه وسلم – بين يدي أصحابه حقيقةً كونيّة، كفيلة لمن تأمّلها وجعلها نصب عينية أن تكون سبباً في إقباله على الطاعة، وزهده في الدنيا، والتصاقه بركن الله، وبراءته من حوله وقوّته، إنها إيماءةٌ نبويّة لطيفة، تبيّن أن حال الدنيا لا يدوم على حال، وأنها لا تبقى لأحد، وأن أحوالها في تقلّب دائمٍ كحال ريشةٍ في مهبّ الريح، وإنما الأيّام دول.

أخيراً... التعصب الرياضي لا يقل عمقاً وخطورةً عن التعصب الديني أو التعصب الفكري، وأنواع التعصب والمغالاة في مختلف المجالات دائماً ما جلبت الويلات على الجماعات والشعوب والدول، فلنستمتع بالرياضة التي نحب ولنترك للآخرين حرية اختيار فريقهم أو لاعبهم المفضل، وليكن الخلاف من النوع الذي لا يفسد للود قضية.