في ذكرى رحيله.. بليغ حمدي بين الألحان الخالدة وحب وردة

في مثل هذا اليوم، الأربعاء 10 سبتمبر، تحلّ ذكرى رحيل الموسيقار الكبير بليغ حمدي، أحد أهم رواد التلحين في العالم العربي، والذي رحل عن عالمنا عام 1993، لكن إرثه الفني لا يزال حاضرًا بقوة، حيث ارتبط اسمه بمئات الألحان التي شكّلت وجدان المستمع العربي وصنعت ملامح العصر الذهبي للأغنية.

لم يكن بليغ حمدي، مجرد ملحن تقليدي، بل مدرسة فنية متفردة تمزج بين الطابع الشرقي الأصيل والنَفَس التجديدي الذي جعله دائمًا سابقًا لعصره.

النشأة والبدايات

وُلد بليغ عبد الحميد حمدي في 7 أكتوبر 1931 بحي شبرا العريق في القاهرة، ونشأ في أسرة مثقفة حيث كان والده أستاذًا للفيزياء.

ظهرت موهبته الموسيقية مبكرًا، إذ بدأ العزف على الكمان وهو طفل، ثم اتجه إلى العود ليجد فيه وسيلته الأقرب للتعبير، رغم دراسته في كلية الحقوق، إلا أن شغفه بالفن دفعه لترك مجال القانون والتفرغ للموسيقى، ليبدأ خطواته الاحترافية في منتصف الخمسينيات، وهو لا يزال في مقتبل العمر.

أعمال صنعت التاريخ

امتلك بليغ قدرة نادرة على تحويل الكلمات إلى ألحان نابضة بالحياة، سواء كانت رومانسية أو وطنية أو اجتماعية. من أشهر أغانيه:

حب إيه (أم كلثوم)

تخونوه (عبد الحليم حافظ)

العيون السود (وردة)

مستنياك (عزيزة جلال)

كما كتب الموسيقى التصويرية لعدد من الأفلام الشهيرة مثل ذوق الخوف ويا ليل يا زمن وأضواء المدينة، لم تقتصر ألحانه على النخبة الفنية، بل كانت قريبة من وجدان الشارع، وهو ما جعل الناس يرددونها جيلاً بعد جيل.

محطة أم كلثوم

أحد أهم فصول مسيرته كان التعاون مع كوكب الشرق أم كلثوم، البداية جاءت مع أغنية حب إيه التي غيّرت ملامح المشهد الغنائي وقتها وأعلنت عن ميلاد ملحن شاب قادر على كسر النمط السائد.

كان بليغ يحرص على تقديم لحن يحترم صوت أم كلثوم وإمكانياتها الأسطورية، وفي الوقت نفسه يضخّ روحًا جديدة في الأغنية الكلاسيكية، ليقدّم معها مجموعة من الأعمال التي لا تزال تتربع على قمة الطرب العربي.

تعاوناته مع كبار المطربين

لم يقتصر إبداع بليغ على أم كلثوم، بل امتد ليشمل نخبة من عمالقة الطرب:

مع عبد الحليم حافظ قدّم روائع مثل تخونوه.

مع وردة الجزائرية لحّن أجمل أغانيها، وكانت تربطه بها علاقة حب وزواج أثمرت أعمالاً خالدة مثل العيون السود.

مع شادية ونجاة الصغيرة وفايزة أحمد قدّم ألحانًا متنوعة بين الرومانسية والدراما الاجتماعية.

في الثمانينيات، التقى بصوت عزيزة جلال، فصاغ لها لحن مستنياك الذي أصبح أيقونة لجيل جديد من المستمعين.

تأثيره وإرثه الفني

بليغ حمدي لم يكن مجرد ملحن تقليدي؛ بل كان مبتكرًا. أدخل الآلات الغربية مثل الغيتار والكيبورد إلى الأغنية الشرقية دون أن يفقدها هويتها، وخلق مزيجًا فنيًا جعل موسيقاه قادرة على الوصول لكل الأذواق، حتى بعد رحيله، ما زالت أغانيه تُعاد بصوت الجيل الجديد، إما في حفلات مباشرة أو في نسخ حديثة، مما يعكس خلود ألحانه وقدرتها على العبور بين الأزمنة.

قصص من الكواليس

مع أم كلثوم، حين سمعته لأول مرة يعزف لحن حب إيه، توقفت لتقول عبارتها الشهيرة: 'مين الواد العبقري ده؟'، وكانت تلك بداية رحلة خالدة.

مع عبد الحليم حافظ، يُقال إن لحن تخونوه وُلد في ساعات قليلة، لكنه تحوّل إلى أيقونة غنائية لا تُنسى.

مع وردة، كان الفن والحب يختلطان في علاقة نادرة أنتجت روائع ما زالت تتردد في كل بيت عربي.

زواج بليغ حمدي من وردة

لم تكن مسيرة بليغ حمدي الفنية منفصلة عن حياته الشخصية، فقد ارتبط اسمه بقصة حب وزواج شهيرة من الفنانة الجزائرية وردة.

بدأت علاقتهما الفنية في أوائل الستينيات، حيث قدّم لها مجموعة من أجمل ألحانها، مثل: 'العيون السود، وحكاية حب'، ومع مرور الوقت، تحوّلت الشراكة الفنية إلى ارتباط عاطفي تُوّج بالزواج في بداية السبعينيات.

ورغم ما شاب العلاقة من خلافات أدت إلى الانفصال لاحقًا، ظلّ التعاون الفني بينهما قائمًا، وأنتج أعمالًا خالدة رسخت في وجدان الجمهور، وقد شكّلت تلك القصة واحدة من أبرز قصص الحب في الوسط الفني، التي امتزج فيها الإبداع بالمشاعر الإنسانية.

بعيدًا عن حياته الزوجية، عُرف بليغ بروحه المرحة وحبه للحياة، وكان يجمع حوله الأصدقاء والفنانين في جلسات موسيقية غير رسمية، تخرج منها أحيانًا ألحان كبيرة، وبرحيله في 10 سبتمبر 1993، ترك فراغًا فنيًا لا يعوّض، لكنه ظل حاضرًا في ذاكرة محبيه بألحانه وذكرياته.

بليغ حمدي كان ولا يزال أيقونة فنية صنعت جسراً بين التراث والمعاصرة، في ذكرى رحيله يتجدد الحنين لألحانه التي نسجت ملامح الذاكرة العربية، مؤكدة أن الموسيقى التي تخرج من القلب تبقى خالدة لا يطالها الزمن.