«لم ينجب سوي فتاة 7 سنوات » .. من يحكم كوريا الشمالية حال وفاة كيم جونج أون

تعتبر كوريا الشمالية ونظامها الحاكم من أكثر البلدان والأنظمة الحاكمة غموضًا، إذ يتعذر الحصول على معلومة عنهما وتكون موثقة ويعتبر النظام الكوري الشمالي نفسه كوريا الحقيقية ووريثة مملكة هيرميت في القرن التاسع عشر.

ولهذا يجب تناول المعلومات حول الحالة الصحية السيئة لزعيم البلاد كيم يونغ-أون بحرص،  لكن، سواء كانت تلك المعلومات صادقة أم لا، فإنها تذكرنا على أن القائد الأعلى، وعلى الرغم من شبابه وما تقوله الدعاية الكورية الشمالية، إلا أنه وحش وقاتل. ليس هذا فحسب، بل أيضًا لم يُسَمِّ خليفة له. فماذا سيحدث إذا مات؟

كيم يخضع لجراحة القلب

في البداية، دعنا نذهب إلى الحقائق. فقد زعمت التكهنات التي نشرتها صحيفة ديلي إن كيه (صحيفة كورية dailynk)، والتي أعدَّها منشقون كوريون شماليون في سيول، أن سبب عدم تمكن كيم من حضور الاحتفالات في 15 إبريل، عيد ميلاد جده، ومؤسس سلالة كيم إيل سونغ، هو أنه خضع لجراحة القلب والأوعية الدموية قبل ذلك بثلاثة أيام في مستشفى شمال مقاطعة بيونغ يانغ.

ووفقا لموقع العربية نت، فقد زاد الغموض بعد أن أكدت CNN، بعد اللجوء إلى مصادرها الخاصة، أن أجهزة المخابرات الأمريكية تراقب الأوضاع. ووفقًا لتلك المقالة، قد تكون حياة كيم "في خطر شديد" بعد العملية.

وتوجد العديد من العوامل التي تثير الشك. الأول هو أن صحيفة الديلي إن كيه تشير إلى أن كيم يونغ أون "يواصل التعافي من الوعكة الصحية في قرية على مشارف بيونغ يانغ"، وأن "معظم الأطباء عادوا إلى بيونغ يانغ بعد اعتبار حالة كيم مستقرة " لذلك، لن يكون هناك خطر وشيك بالموت.

الجيران هادئون

ثانياً، وربما الأهم من ذلك، أن جيران كوريا الشمالية هادئون. فقد قال المتحدث باسم مكتب الرئاسة في كوريا الجنوبية كانغ مين سوك "حتى الآن، لم يتم الكشف عن أي علامات غير عادية داخل كوريا الشمالية". وقال مصدر من إدارة الاتصال الدولية، وهي الهيئة التابعة للحزب الشيوعي الصيني المسؤول عن شؤون كوريا الشمالية، لوكالة رويترز إنه لا يعتقد أن كيم في حالة حرجة.

وأخيرًا، يجب أن نتذكر أن الشائعات التي لا أساس لها حول أمراض قادة كوريا الشمالية كانت ثابتة منذ إنشاء جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية في عام 1948. وخلال سنوات، قيل إن كيم إيل سونغ كان يعاني من ورم في المخ بسبب كتلة غريبة في رأسه، والذي كان في الواقع بسبب سوء التغذية أثناء طفولته.

في عام 2014، أخفى كيم يونغ أون نفسه لمدة شهر ونصف ليعاود الظهور، مع عدم تقديم أي توضيح على الإطلاق عن الحالة التي عانى منها (يعتقد بعض الخبراء أنه ربما عانى من هجمات النقرس المكثفة، على الرغم من أن المخابرات الكورية الجنوبية نسبت هذا إلى كيس دهني في القدم).

ومع ذلك، يبدو أن مشاكل القلب تحدث في الأسرة، فقد توفي والده، كيم يونغ إيل، بنوبة قلبية في عام 2011. وقد يكون لكل من الصين وكوريا الجنوبية مصلحة في الحفاظ على الهدوء في سيناريو لا أحد مستعد له، والآن أقل من أي وقت مضى.

بدون وراثة واضحة

المشكلة الرئيسية هي أن كوريا الشمالية لم يكن لديها قط رئيس لا ينتمي إلى فرع الذكور من عائلة كيم. ليس لكيم أبناء ذكور، وحتى إن حدث غير المتوقع وهو أن يوافق فيه المجتمع الكوري الشمالي المحافظ على أن تقوده امرأة، فابنته الوحيدة، كيم جو إيه، تبلغ 7 سنوات فقط.

وإذا كانت أي قوة أجنبية تأمل أن تكون قادرة على لعب خدعة لأخيه غير الشقيق كيم يونغ نام، وهو الخيار الواقعي الوحيد نسبيًا في تعاقب الأسرة، فقد تحطمت آمالهم بسبب تسممه الشنيع في مطار كوالالمبور.

وبعد وفاة كيم يونغ إيل، ركزت جميع التحليلات على مدى قدرة وريثه على البقاء في السلطة، ولكن لا أحد يشك في نقل القيادة تلك. ويثير اختفاء كيم يونغ أون لأسباب طبيعية أو لسبب آخر تساؤلًا مختلفا تماما أو ربما ليس كثيرًا.

ففي عام 2009، وفي مواجهة التدهور الواضح في صحة الحاكم كيم يونغ إيل آنذاك، وبدون الخلافة التي لم يتم تحديدها بعد، أعد مجلس الولايات المتحدة للعلاقات الخارجية (CFR) تقريرًا خاصًا عن "الاستعدادات لتغيير مفاجئ في كوريا الشمالية". وقد تناولوا فيه قضية اختفاء القائد.

اعتماد النموذج الصيني

ومن بين السيناريوهات التي رسمها ما يلي: نجاح الخلافة (الخيار الذي ساد أخيرًا، كما نعلم)، خيار آخر تم مناقشته من قبل بعض العناصر الرئيسية للنظام وولَّد صراعًا على السلطة وانتهى بالفشل. وسيظهر اليوم نفس الأوضاع التي كانت في السابق.

ويعتقد بول ر.غريغوري، الباحث في معهد هوفر، وهو أحد الأكاديميين الذين فكروا علنًا فيما سيحدث في كوريا الشمالية بعد كيم، أن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو نوع من القيادة تشترك فيها قيادة حزب العمال من كوريا، ربما برئاسة "الأبرز من بين أقرانه"، على غرار الجارة الصين.

يكتب غريغوري في مجلة فوربس: "تُظهر أوجه التشابه التاريخية مع اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية والصين، إلى أن كيم سيخلُفُه شكل أخف من الحكومة الجماعية، ويُظهر سلوك الدوائر المحيطة بالسلطة السوفيتية والصينية بعد وفاة ستالين وماو (...) أن تغيير النظام في كوريا الشمالية لن يمكّن زعيمًا أسوأ، ولكنه سيشرع في التحرك نحو قيادة جماعية أقل عداءً".

سيكون فراغٌ في السلطة سيناريو خطيرًا للغاية بالنسبة لكوريا الشمالية، لذلك فإن النتيجة الأكثر احتمالية هي أن كبار المسؤولين في النظام يحاولون التصرف بسرعة لتولي زمام الأمور.

مُنافسة طويلة.. وربما عنيفة

ولكن ماذا لو لم يتم التوصل إلى اتفاق في القيادة؟ يُشيرُ التقرير: "قد يؤدي هذا إلى إغراء بعض الأفراد أو الفصائل للاستيلاء على السلطة، مما يؤدي إلى قتال محتمل وربما عنيف من أجل القيادة. ومن المستحيل التكهن بما قد تكون عليه النتيجة، وما هو الاتجاه الذي قد تتخذه كوريا الشمالية وفقًا لذلك، لكن مُنافسة طويلة وربما عنيفة على السيادة في بيونغ يانغ ستخلق بلا شك توتراً هائلاً في بقية البلاد، نظرًا للمستوى الذي يتم فيه التحكم بالدولة من المركز".

إن أي كارثة سياسية داخلية أعاقت الخدمات الأساسية في كوريا الشمالية، حيث لا تزال ذاكرة المجاعة في التسعينيات حديثة العهد، ستولد موجة من اللاجئين إلى كل من الصين وكوريا الجنوبية. وهناك سيكون عدم الاستقرار أكبر من ذلك: التهديد بتدخل كوريا الجنوبية أو الأميركيين في الشمال يمكن أن يؤدي حتى إلى تدخل بكين واحتلال كوريا الشمالية عسكريا.

وأضاف التقرير: "إن احتمال استيعاب كوريا الشمالية من قبل كوريا الجنوبية ونشر القوات الأميركية على الحدود الشمالية الشرقية للصين هي أمور تثير قلقًا كبيرًا (لبكين). ساعدت نفس المخاوف في إثارة دخول الصين إلى الحرب الكورية. وتشارك موسكو بالتأكيد مخاوف بكين، لكن روسيا تبدو أقل استعدادًا للتدخل إذا تدهور الوضع". وستُسبب هذه الأوضاع في هذه الحالة أزمة دولية كبيرة.

لا تتوقع ثورات

ما يمكننا استبعاده عمليًا هو نوع من التمرد الشعبي للإطاحة بالدكتاتورية. إن النظام القمعي فعَّال للغاية لدرجة أنه لا توجد إمكانية لتنظيم معارضة داخلية دون أن يتم الكشف عنها وتفكيكها على الفور. حتى في حالة الانهيار، فإن احتمال ظهور حركة ناجحة يكاد يكون معدومًا.

تصف الصحفية النيوزيلندية آنا فيفيلد، مؤلفة سيرة كيم "الوريث العظيم"، التي سافرت إلى كوريا الشمالية عشرات المرات، الوضع في مقابلة على النحو التالي: "على الرغم من أن العديد من الكوريين الشماليين يرفضون فكرة زعيم الجيل الثالث ويعرفون أن ما يقال عنه هو خيال، ولا يوجد حتى الآن أي معارضة في كوريا الشمالية. لا يوجد سولجينيتسين (أديبٌ ومعارضٌ سوفييتي) كوري شمالي، ولا توجد أدبيات "samizdat" (نوع من الكتابة والنشر يُمارسه منشقون سوفييتيون سرًّا في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية السابقة وذلك تحديًّا للرقابة)، ولا توجد حتى أي كتابات".

تضيف فيفيلد: "عندما سألت امرأة أخبرتني عن تجاهلها للنظام ولماذا لا يحاول الكوريون الشماليون القيام بشيء حيال ذلك، قالت إنك إذا عارضت النظام فأنت لا تحاول تغييره، فأنت تحاول الهرب فقط. هذا لأن نظام العقاب في كوريا الشمالية شديد القسوة: إذا كنت تنتقد النظام، فيمكن إرسال ثلاثة أجيال من عائلتك إلى الجولاج (اسمٌ يُطلق على معسكر كوري شمالي وذلك لمُشابهته لمعسكرات الاتحاد السوفييتي)".

جنازة عملاقة.. لمستقبل مجهول

في المقابل، إذا حدث نوع من الانتقال، فسيحدث في أفضل الأوقات. في كوريا الجنوبية، أعيد انتخاب الرئيس التقدمي Moon Jae-in، المؤيد لتقارب مع بيونغ يانغ، بالأغلبية المطلقة. والبيت الأبيض أيضًا في وضع مصالحة بعد أن كتب الرئيس دونالد ترمب إلى كيم يونغ أون في أواخر مارس يعرض عليه مساعدة أميركية في مكافحة فيروس كورونا، مما يقلل من احتمال حدوث رد فعل معادي. ربما يكون التغيير المعتدل موضع ترحيب في الخارج. وعلاوة على ذلك، يمكن أن تعتمد على الدعم من جميع الجبهات، سواء بين حلفاء بيونغ يانغ التقليديين وبين منافسيها.

يقول جون ديلوري، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة يونسي في سيول، حول الوضع الصحي لكيم يونغ أون في مقال نشرته سي إن إن: "من السهل أن تكون مخطئًا في هذا الأمر". من المرجح أن يتعافى كيم، على افتراض أن المعلومات المتعلقة بجراحته صحيحة في المقام الأول، ولكن هناك الآن خيار لعدم حدوث ذلك.

يمكننا أن نفترض، في هذه الحالة، أن يُصبح المجتمع الكوري الشمالي جنازةً عملاقة تُظهِر ألمها بشكل علني - حقيقي أو مقصود - وبشكل مبالغ فيه لأيام، كما حدث بعد وفاة والده وجده. من هناك يبدأ المجهول، وربما يكون من الأفضل لبقية العالم أن تبدأ بالتفكير بذلك.