مرصد الأزهر يحذر من تريند الموت .. اللعب على غريزة الفضول وحب المغامرة

حذر مرصد الأزهر لمكافحة التطرف من تزايد مخاطر التحديات التي باتت تظهر كل حين على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة مثل تحدي 'كتم الأنفاس' الذي اجتاح مدارسنا مؤخرا وظهر عدد من الفيديوهات لطلاب يؤدونه ما أدى لإصابة بعضهم.

وقال المرصد : 'شريحة واحدة تكفي أن يسيل لها اللعاب'.. تحدٍّ جديد انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرًا، يتطلب تناول شريحة من أشد أنواع الفلفل حرارة في العالم، وقد أثار فضول الأطفال والشباب للمشاركة في التجربة رغم خطورتها، بدليل أن الشركة المنتجة كتبت على العبوات عبارة: 'هذا التحدي على مسؤوليتك الشخصية'.

بعبارة أخرى تدرك الشركة خطورة هذا التحدي؛ ولذلك تخاف من التعرض إلى المساءلة القانونية بسبب ما قد يحدث للمشاركين بعد تناول المنتج.

وقد اشترط تحدي (One Chip) أن ينشر المشارك فيديو أو صورة على مواقع التواصل الاجتماعي، توضح تأثير المنتج على تحول لون اللسان إلى الأزرق في ثوانٍ معدودة. وفي الحقيقة يمثل هذا الأسلوب الترويجي فصلًا جديدًا ضمن التحديات التي اتخذت لقب 'التريند'؛ لاستمالة عقول الأطفال والشباب حول العالم عبر اللعب على غريزة الفضول وعدم النضج الكافي.

ويمتاز تصميم علبة المنتج بتحفيز الخيال على خوض التحدي وتجربة الأثر الناتج؛ لأنها تشبه التابوت وعليها رسم لجمجمة باللونين الأحمر والأسود، مذيلة بتحذير من أعراض تناول المنتج مثل: تغير لون اللسان، وصدمة للقناة الهضمية مصحوبة بآلام حادة في المعدة، وردات فعل عصبية عنيفة، وتـأثيرات خطيرة على القلب.

إلا أن الفضول دفع الكثيرين وخاصة في الولايات المتحدة إلى قبول التحدي، ما أدى إلى غياب الكثير من الطلاب عن المدارس نتيجة المرض. الأمر الذي دفع مدير مدرسة (لودي) الثانوية الأمريكية، إلى مخاطبة أولياء الأمور بأهمية التحدث مع أبناءهم عن خطورة هذا التحدي الذي انتشر في بعض الولايات مثل: كاليفورنيا وتكساس وآلاباما. كذلك أصدرت ولايات جورجيا وكولورادو تحذيرات مشابهة.

لكن المؤسف هو انتقال عدوى هذا التحدي إلى العديد من دول العالم والمنطقة مثل لبنان. هذا يقودنا للحديث عن مسألة الفضول والإثارة التي تدفع بعض الأطفال والشباب إلى تجربة مثل هذه التحديات التي تظهر كل فترة، مصحوبة بعبارة: 'هذا التحدي على مسؤوليتك الشخصية'، والتي نجحت في استثارة غريزة الفضول والمغامرة بين أوساط عمرية معينة. علمًا أن اقبال الشباب على منصات التواصل الاجتماعي ساهم بشكل كبير في انتشار الكثير من التحديات خلال السنوات الأخيرة.

ووفق تحليل مؤسسة (غلوبال ويب إندكس) البحثية في لندن، لبيانات (45) من أكبر دول العالم في أسواق الإنترنت، فقد قضى الأطفال والشباب بين (16 - 24) عامًا، وقتًا أطول على شبكة الإنترنت مقارنة بالفئات الأخرى، بمعدل (180) دقيقة يوميًّا في المتوسط خلال العام 2018م.

ولفت التقرير الذي نشرته فضائية (بي بي سي) البريطانية، إلى العلاقة الطردية بين صغر السن وارتفاع معدلات الإقبال على وسائل التواصل الاجتماعي. وأن مدمنو استخدام مواقع التواصل أكثر ميلًا لاستخدام كل ما هو جديد، خاصة فئة الشباب.

ووفق 'آشلي وليامز' الباحثة في كلية هارفارد للأعمال، فقد لوحظ تغيرات نفسية متفاوتة من حيث الحدة والوسطية على سلوكيات من يقضون وقتًا أطول على مواقع التواصل الاجتماعي، تنوعت ما بين الشعور بالتعاسة الذي يصل أحيانًا إلى الاكتئاب، وعمل حوادث وكذلك الموت، وهو ما يفسر إقبال الكثيرين منهم على تجربة كل ما هو جديد؛ بغرض الخروج من حالة الحزن والاكتئاب، وإثبات جدارتهم في الحياة بشكل معلن؛ دون التفكير في المخاطر.

لذلك حذر فريق تحرير مجلة (كاليفورنيا بيزنس جورنال) من خطورة تلك التحديات، واعتبروها رسالة واضحة للوالدين لمتابعة نشاط أبنائهم على مواقع التواصل الاجتماعي؛ لما يترتب عليها من إصابات بالغة قد تؤدي الوفاة في بعض الأحيان مثل تحدي: (Dry Scooping) الذي شجع البعض على تناول مسحوق مكملات غذائية خام قبل التمارين الرياضية دون إذابته في الماء، ويتسبب هذا التحدي الذي جذب الأطفال والشباب دون الـ (18) عشر، على تطبيق 'تيك توك' في ارتفاع فرص الإصابة بنوبة قلبية خطيرة لاحتوائه على جرعات كبيرة من الكافيين بخلاف تهيج الرئة ومشاكل بالجهاز الهضمي.

كذلك يزيد تحدي (The Blackout) أو (التعتيم) من مخاطر التعرض للموت أو الإصابة بأمراض مزمنة؛ حيث يتطلب حبس المشارك أنفاسه حتى يغيب عن الوعي. وقد ظهر هذا التحدي للمرة الأولى عام 2008م ثم تكرر الأمر عام 2021م والآن عاود الظهور على تطبيق 'تيك توك'، وسط تحذيرات من مخاطره حيث أودى بحياة (80) شخصًا على الأقل جراء نقص الأكسجين الواصل إلى الدماغ بما يشبه الغرق أو الإصابة بسكتة قلبية، ناهيك عن المشاكل الصحية الأخرى إذ أن انخفاض الأكسجين لأكثر من (3) دقائق كفيل بإتلاف الدماغ.

وقد أصدرت المراكز المتخصصة نشرة بالعلامات المصاحبة لذلك النوع من التحدي لتنبيه الأهالي شملت: الصداع الشديد، وإحمرار العيون؛ حيث تكون مثل لون الدم، وظهور علامات على الرقبة. وكانت 'سارة بلات' البالغة من العمر (16) عامًا، قد قامت بتجربة إحدى هذه التحديات الخطيرة بتحريض من أصدقائها، وقد تعرضت إلى السقوط في أثناء التجربة ما تسبب بكسر ثلاث فقرات بالرقبة، وإصابات بالغة شفيت من أغلبها، ورغم مرور عامين على الحادث ما زالت 'سارة' تعاني من مضاعفات الإصابة والتي تركت أثرها في 'القلب' لتتعرض للإغماء كل فترة نتيجة لهذا التحدي.

والسؤال: لماذا تجذب تحديات وسائل التواصل الاجتماعي، الأطفال وصغار السن على الأخص؟ والحقيقة تستدعي الإجابة تسليط الضوء على طبيعة نمو دماغ الأطفال وصغار السن؛ حيث ساد اعتقاد بنمو الدماغ بشكل كامل بوصول الطفل إلى سن البلوغ، لكن كشفت البحوث بعد ذلك، أن دماغ المراهقين أكثر تعقيدًا مما يبدو الأمر. فقد كان يعتقد أن اندفاع المراهقين وتصرفاتهم المتهورة في بعض الأحيان مرتبط بالهرمونات فقط، لكن توصلت الأبحاث إلى حقيقة مفادها أن دماغ المراهقين أبعد ما يكون عن النضوج، وأن تطور بنيته يستمر معه حتى بلوغ مرحلة العشرينات.

فالعملية الخاصة بالتواصل بين مناطق الدماغ التي تقوم على التفاف مادة دهنية يطلق عليها (ميالين-Myelin) حول الخلايا العصبية ترافق تطور الدماغ عبر السنين، وهي تلعب دورًا مهمًّا في تعزيز قدرات التعلم الأساسية لدى الإنسان، وتبدأ تلك العملية من الجزء الخلفي بالدماغ، ثم تواصل عملها ونموها للجزء الأمامي، أي إن قشرة الفص الجبهي المسؤولة عن صنع القرار والتخطيط وضبط النفس والانفعالات، هي آخر جزء في مرحلة نضوج الدماغ.

وذلك يفسر تأخر إشارات تنظيم العواطف لدى المراهقين التي لا تصل بسرعة كافية، كما يبين أيضًا أسباب انتشار السلوكيات الخطرة وحالة الاندفاع بين المراهقين وصغار السن، والتي ترجع إلى عدم اكتمال القدرة على التفكير وضبط الانفعالات لديهم.

باختصار يمكن القول: إن عملية نضج قشرة الفص الجبهي، وهي جزء من الدماغ مسؤولة عن التفكير العقلاني تمتد حتى منتصف العشرينات. ما يعني أن المراهقين وصغار السن أكثر اندفاعًا، ونادرًا ما يفكرون قبل الإقدام على أي إجراء أو فعل مهما بلغت خطورته. وقد ساهمت تحديات وسائل التواصل الاجتماعي، في تفاقم المشكلة لأنها خلقت بيئة اندفاعية جاذبة للشباب وصغار السن خاصة من يخافون بالعادة فقدان تلك التحديات الفيروسية والتخلف عن زملائهم.

ومع تزايد مخاطر هذا النوع من التريندات والذي يمكننا أن نطلق عليه: 'تريند الموت' لخطورته وما يترتب عليه من مشاكل تترك ندبات صحية مزمنة، يتعين على الجهات المسؤولة وفي المقدمة الأسرة - تعزيز دورها الرقابي والتوعي، وتزويد الأطفال وصغار السن بمهارات أساسية، مثل التفكير العقلاني وتقييم المخاطر، وهو ما يتطلب المتابعة الدقيقة لكل ما يُتداول على منصات التواصل الاجتماعي، واتباع مبدأ المناقشة الودية مع الأطفال والشباب في توضيح مدى خطورة تلك التحديات.

مع التنبه لأية علامات أو أعراض تطرأ على أجساد أبنائهم فقد تكون مؤشرًا على ممارستهم لتلك التحديات خلال الفترات التي يكونون فيها بمفردهم أو بمرافقة بعض زملائهم وأصدقائهم خارج المنزل.

تفاصيل مسابقة شيخ الأزهر للقرآن الكريم.. رابط وشروط وطريقة التقديم

مجمع الفقه الإسلامي وجامعة الأزهر يتعاونان في مجال الدراسات والبحوث