موسم ابتزاز الدولة

عمرو الخياط 

 

حالة  من النشاط المفاجئ انتابت مواقع التواصل الاجتماعي مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية، شخصيات ضاعفت من رصيد حساباتها، وأُخري عادت للظهور بعد غياب طويل، وثالثة دخلت المجال حديثا، لكن جميعهم اشتركوا في حالة من الهيستريا الإلكترونية، وبرغم نشاطهم الإلكتروني المتصاعد في اتجاه واحد وهو محاولة ابتزاز الدولة إلا أن اهدافهم المرحلية قد تختلف باختلاف طبيعة المكاسب المرجو تحصيلها، والتي يمكن إجمالها فيما يلي:

توجيه إشارات لجماعات وأجهزة خارجية بالقدرة علي الفاعلية والتأثير المزعج للدولة المصرية.

تصدير حالة توتر مجتمعي مصطنع يوحي بوجود فرصة سانحة لتكرار حالة مشابهة لما تعرضت له الدولة عام ٢٠١١ وبالتالي إعادة مبررات التدريب  والتمويل.

الضغط علي الدولة لتوجيه رسالة بإمكانية ممارسة الإزعاج والشغب السياسي خلال الفترة الرئاسية الثانية.

محاولة الإيحاء للدولة بقدرة وهمية علي التأثير تستوجب سرعة الاحتواء وإعادة التواصلات القديمة.

الاعتقاد الخاطئ بأن الدولة في حالة انشغال باستحقاق دستوري رئاسي جديد قد يجعلها تقبل بإتاحة مساحات أو ادوار لجماعات الابتزاز بهدف تمرير العملية الانتخابية بسلام.

الاعتقاد الخاطئ بأن الدولة أسيرة لحالة انتخابية قد يدفعها لاستجداء الأصوات أو القبول بتحمل فواتير مسبقة.

إعادة إحياء تأثير وهمي لتنظيم الإخوان قد يدفع الدولة للتفكير في إمكانية إعادة الاستخدام السياسي لذلك التنظيم.

محاولة حجز أماكن مسبقة في مواضع مختلفة من دولاب الدولة.

تشكيك الدولة في اختياراتها لرجالها.

الجميع هنا يستهدف الدولة استهدافاً صريحاً تحت وطأة ابتزاز ممنهج يهدف لمراكمة أرصدة أو عودة إلي الأضواء أو تحصيل مناصب أو الاقتراب من الدوائر المهمة، نحن إذن امام تنظيم » المبتزون الجدد»‬.

>>>>>>

ممارسات الابتزاز المختلفة تختلط بممارسات أخري للادعاء والخداع جميعها تستهدف المواطن الناخب تحديداً كما تستهدف الدولة، وبرغم تعدد الأطراف المبتزة إلا أنها تشترك جميعاً في الوقوع تحت حالة الأسر لنظام مبارك الذي عابوا عليه عبارة »‬خليهم يتسلوا» فتنحي الرجل ورحل وهم مازالو يمارسون حالة التسلية الممنهجة رغم أن النظام الجديد لم يوجه أي دعوة لتلك التسلية.

ليس ذلك فحسب بل إنهم راحوا يمارسون الابتزاز تجاه بعضهم البعض ظنا أن سلوكهم الشخصي يصلح اسلوباً للتعامل العام مع الدولة الجديدة، وبرغم علمهم بصلابة هذه الدولة إلا أنهم لايكفون عن ممارسة ابتزازهم رافعين شعار »‬ أنا مبتز إذن فأنا موجود».

إذا أجرينا فحصا عشوائياً للحسابات الالكترونية لتلك المجموعات سنجد تواصلات وإضافات وتشابهات مذهلة في أساليب الإبتزاز وفِي عباراته المستخدمة، بل وفِي توقيتاته رغم أن أهدافه قد تختلف باختلاف التوجهات الفكرية لممارسي هذا الابتزاز.

ناشطو التطبيقات الالكترونية عبر الهواتف الذكية والحواسب الشخصية تناسوا أن ألاعيب ابتزازهم تُمارس من خلال بنية اتصالات شيدتها وطورتها الدولة التي يرغبون في ابتزازها، تخيل حتي أساليبهم المستهلكة يمارسونها تحت مظلة الدول التي تحملت مسئوليتها في توفير وسائل الاتصال والتواصل الحديثة للمواطن.

>>>>>>

الغريب أن ممارسات الابتزاز ما زالت مستمرة من تلك المجموعات رغم أن الدولة الجديدة لم تخضع مرة واحدة لمثل تلك المزايدات وأصرت في مواقف كثيرة علي تطبيق القانون رغم تصاعد الحملات في كل أزمة، إلا أن تصاعد وتيرة الابتزاز يهدف إلي استدراج الدولة للدخول في صفقات في وقت يعتقد البعض فيه أنها متوترة الاعصاب استجداء للأصوات الانتخابية، تخيل أن المزايدين يدفعون الدولة إلي الانحراف عن سلوكها كدولة استجابة لمحاولاتهم بينما يخدعون الرأي العام من خلال تقييمات نظرية لكل خطوة تخطوها الدولة للأمام، هنا تكمن الخطورة التي تكشف عن قاسم مشترك لتلك المجموعات وهو أنها جميعا تدير ابتزازها للدولة من أعلي طاولات المقاهي حيث توضع مفردات وأدوات هذا الابتزاز.

>>>>>>

وإذا كان الكاذب ينسي فإن المبتز اكثر نسياناً منه، الكثير من هؤلاء كانوا نجوم مسرح الابتزاز في دولة مبارك، بعضهم حصل علي مكاسب معلنة والبعض الآخر علي مكاسب سرية، ولما اشتدت الأزمة علي مبارك انقسموا إلي فريقين الأول خلع برقع الحياء السياسي وارتدي برقعاً ثورياً وراح يهاجم مبارك بضراوة دون أي نخوة سياسية أو انسانية، والفريق الثاني التزم الصمت ولاذ بالاختفاء الرهيب طويل المدي، وكلاهما عاد إلي الظهور التدريجي لما وصل الإخوان للحكم واستعاد الفريقان لياقتهما الابتزازية سريعاً أملاً في تحقيق أي مكاسب، ثم أخذ الحكم الإخواني في التصدع فانقلبوا عليه كما انقلبوا علي مبارك من قبل، والآن يعتقدون أنه يمكنهم معاودة التدليس علي الوطن والمواطن.

الجديد هنا أن هؤلاء المبتزين مازالوا غير قادرين علي استيعاب صلابة الدولة الآن، مازالوا غير مستوعبين أنهم قد انكشفوا وما عاد لديهم ما يمكن استخدامه لدفع الدولة للتوتر، ومع ذلك ماضون في غيهم بعدما فقدوا السيطرة علي ابتزازهم الذي أصبح لا إرادي.

إنهم ربما ساهموا دون ادراك في صلابة الدولة واشتداد عودها بعدما تحصنت من جرعات الابتزاز المكثفة فاستخلصت الدواء من بيت الداء، يا لها من مفارقة غريبة، حقا لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.

نقلا عن أخبار اليوم