نيفين منصور تكتب: ظلل من الغمام !

تعبير قرآني مذهل ذكره المولي عز وجل في آيات متعددة حيث قال في سورة البقرة (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ) صورة إبداعية لمشهد عظيم ينتظر فيها العباد حضور المولي جل في علاه وملائكته عندما يُقضي الأمر وترجع الأمور إلي خالقها وتنتهي قصة الأرض بما فيها من عباد ،، ليبدأ طريق الآخرة ويُفصل الحق عن الباطل ،، فيرتاح من عاني ويُحاسَب من ظَلم .

كما ذكره  في سورة البقرة في قوله تعالي (وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) وفي سورة الأعراف حيث قال (وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).

وظُلل من الغمام في اللغة تعني الستر من حر الشمس ، بغمام يغطي السماء ويواريها ، فيتحول الغمام إلي مظلة و ظُلّة. وقد أكرم المولي عز وجل عباده من بني اسرائيل  في التيه فحماهم به من حرارة الشمس ، ويختلف الغمام عن السحاب في اللغة ، فالغمام جمع غمامة لأنه يغم السماء أي يسترها ، ولونه أبيض ، أما السحاب فهو الغيم الذي يغطي السماء سواء كان فيه الماء أو بلورات الثلج أم لم يكن .

وإذا تأملنا الآيات الكريمة نجد الإبداع القرآني في استخدام الألفاظ التي تعبر عن المشهد ، فاستخدم لفظ الغمام ليحدد الصورة التي تنقل الحدث ، فالمولي عز وجل سيأتي في ظلل من الغمام أبيض اللون ولم يستخدم لفظ سحاب لأن السحاب منه الأبيض ، ومنه الأسود وله أنواع مختلفة منه داكن مطّار ومنه مجلجل وهو السحاب المحدِث للرعد ومنه هيدب أي متدل يدنو من الأرض ومنه وكوف يسيل قليلا قليلا ومنه السحاب الركامي الطبقي أي المنخفض المؤلف من طبقات أفقية بقمم دائرية ومنه المزن وهو السحاب المضيء أو ذو الماء ومنه السمحاق وهو السحاب الجليدي الذي يتكون في طبقات الجو العليا.

أما الغمام فهو طبقة تستر حر خلفها  ستر الله بها بني اسرائيل من حر الشمس كما ستر رسوله الكريم صلي الله عليه وسلم به اثناء سفره مع عمه أبي طالب إلي الشام وفقا لرواية ابن أبي شيبة ، والترمذي ، والبزار ،وابن حبان ،والحاكم، والبيهقي.

وبالعودة إلي المشهد العظيم وهو مشهد قدوم مالك الملك جل جلاله  في ظلل من الغمام واستخدام هذا اللفظ الدقيق دون استخدام لفظ السحب ،،، فإن دل علي شيء إنما يدل علي جلال ورهبة قدوم الإله جل في علاه ،،، الذي وصف نفسه في كتابه الكريم أنه نور السماوات والأرض حيث قال في سور النور (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) .

فإذا بهذا النور العظيم يأتي ليقابل عباده ومن حوله ظلل من الغمام لتفصل نوره عما خلفه من مشهد ،، فيري عباده عظمته وجلاله وحده دون الانشغال بالخلفية مهما كان مظهرها ،،، وكأن الوجود قد انفصل فلا يزاحم جمال الخالق جمال أو رهبة ،،، يُسعد بهذا المشهد عباده الصالحين ويُرهب كل من عصاه .. اللهم اجعلنا ممن يلقاك ويتمتع برؤية جلالك وعظمتك واجعلنا من عبادك المؤمنين ممن يستظلون بظل عرشك يوم تدنو الشمس من الرؤوس ،، يوم المشهد العظيم