نيفين منصور تكتب : العروة الوثقى

يقول المولى عز وجل في كتابة الكريم (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) كما يقول في سورة لقمان ( وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ) والعروة في اللغة هي مدخل زر الثوب والوثقى اسم من الفعل وثق وتعني ثَبَّت وأحكم ، والعروة الوثقى تعني العروة المحكمة التثبيت التي لا تنفصل .

وعندما نتدبر الآية الكريمة من سورة البقرة سابقة الذكر ، نجد المولى عز وجل يوضح عاقبة الكفر بالطاغوت ويوصفها بتعبير بلاغي محكم ، يشرح الفرق بين عبادة الله جل في علاه وبين عبادة الطاغوت، فالطاغوت هو قوة الشر التي تسعى خلف البشر في محاولات دائمة للاستحواذ عليهم ، وتدمير عقائدهم ، بكل ما لديها من قوة، وهي القوة التي تغسل العقول وتشتت الفكر ، وتزرع الشك في النفوس ، وتغري كل من لديه نزعات للكبر والسيطرة بأنه قد يصبح إله ينازع المولى على الملك ،كما كان فرعون من قبل وغيره ممن سبقوه في السباق على الألوهية.

الطاغوت هو الوباء الذي أصاب الإنس والجن على حد سواء، وحَوَّل البعض إلى طغاه ، ينتشر فساده كانتشار ذرات القرص الفوار في كوب الماء ، ليتغلغل حتى يسيطر ويصعب التخلص منه ومن أثره الذي يتركه، لا يدخل في أمر إلا و أفسده، كيان ينشر عدواه، فيحول من كان على الفطرة إلى أسوأ ما يمكن أن يكون، ولكن لا سيطرة له على القلوب السليمة التي تمتليء بالنور.

والكفر بالطاغوت ليس بالأمر اليسير ، فهو يصيب النفوس قبل العقول ، ويستطيع التنقل بين العباد ، وينتشر ويتوغل حتى يسيطر ويحكم سيطرته، وقد حذرنا المولى عز وجل منه ومن أفكاره في آيات متعددة ، قد يبدأ بالوسوسة حتى يتملك الروح، ثم يأسرها فتصبح تحت السيطرة كالعبد الذليل الذي لا يملك حريته، يفكر كما يدفعه سيده ، ويتصرف بتوجيهات منه ، فيخسر الدنيا والآخرة.

ولو تفكرنا جيدا في تلك التحذيرات المستمرة من البعد عن الطاغوت والكفر به سنصل إلى طريق اليقين ، طريق الهداية والنور الذي يقضي على ظلمة الروح والنفس، فالطاغوت كيان من ظلام لا يمكن محاربته إلا بقوة النور الإلهية التي تحمي القلوب من المرض ، وربما جاء هذا التعبير البالغ الوصف ليوضح سبيل النجاة الوحيد من الظلام.

وتأتينا الحكمة في سورة الشعراء في الآية الكريمة التي تقول (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) فيفسر المولى عز وجل ما قاله سابقا عن العروة الوثقى ، فعندما يكفر المرء بقوة الظلام المتمثلة في الطاغوت الكيان الذي يمثل الشر على الأرض، يمتليء قلبه بالنور فيصبح القلب كالعروة التي أحكمت سيطرتها على زر النور ، فلا يمكن أن يخلع الشر هذا النور الذي استحوذ على القلب.

القلب هو سر النجاة، فعندما يتغذى بالنور الإلهي يحمي صاحبه من خيوط وسلاسل الظلمة التي قد تأسر الأرواح والنفوس الضعيفة، فمهما كانت الظروف قاسية ، ومهما كانت شدة الظلام ،يبقى النور هو السبيل الوحيد والدليل على دروب النجاة.