الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر: الزواج ليس غاية في ذاته بل سبيل للسكن والمودة وتحقيق المقاصد الشرعية
عقد الجامع الأزهر، مساء الاثنين، برعاية الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وبتوجيهات فضيلة أ.د محمد الضويني، وكيل الأزهر، الملتقى الفقهي بين الشرع والطب في حلقته السابعة والثلاثين، والذي خُصِّص هذا الأسبوع لمناقشة موضوع: «الزواج.. رؤية فقهية».
أكّد الدكتور أحمد الهادي أن الزواج نعمةٌ عظيمة من نعم الله وآية من آياته الدالة على قدرته وإكرامه لبني آدم، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾. وطرح فضيلته سؤالًا محوريًّا: هل الزواج غاية أم وسيلة؟ موضحًا أن الإشكاليات الكبرى التي تشهدها البيوت المعاصرة نشأت حين جعل بعض الناس الزواج غايةً مستقلة، بينما هو في حقيقته سببٌ لمقاصد شرعية تتمثل في السكن والمودة والعفة وإبقاء النسل.
وأوضح أن من أكبر أسباب اضطراب الحياة الزوجية افتقاد الميزان الشرعي في الاختيار، حين يُقدَّم معيار المال أو الوظيفة على معيار الدين والخلق، وهو ما خالف هَدْي النبي ﷺ الذي قال: «فاظفر بذات الدين تَرِبَتْ يداك»، مؤكدًا أن نجاح الزواج مرتبط بتحقيق مقاصده لا بمجرد انعقاده. كما بيّن أن لأركان الزواج أثرًا مباشرًا في صحة العقد وترتّب آثاره؛ من الولي والشهود والمهر، محذرًا من المغالاة في المهور التي تُثقِل الشباب وتُعطّل مقاصد الشريعة في الإحصان والعفاف.
من جانبه، تناول فضيلة الأستاذ الدكتور هشام الجنايني أثر «فقه الحياة» ومتغيرات العصر على فهم الناس للزواج، محذّرًا من التشويه الذي أحدثته وسائل التواصل الاجتماعي في تصورات الشباب عن الحياة الزوجية. وأوضح أن القرآن الكريم رسم للزوجين صورتين عظيمتين تعبّران عن حقيقة العلاقة بينهما؛ الأولى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾، أي الستر والدفء والقرب، والثانية: وصف الزواج بأنه «ميثاق غليظ»؛ وهو تعبير لم يَرِد في القرآن إلا في سياقات عظيمة.
وأشار فضيلته إلى خطأ شائع مفاده أن «صاحبة الدين لا تخطئ وصاحب الدين لا يخطئ»، مؤكدًا أن النبي ﷺ قال: «لا يَفْرَك مؤمنٌ مؤمنة؛ إن كره منها خلقًا رضي منها آخر»، وأن إدراك الطبيعة البشرية للشريك هو أول مدخل لصناعة ميثاق قوي. وبيّن أن الميثاق الغليظ ينشأ بالرحمة وفهم الفطرة والقبول المتبادل، لا بالمثالية الزائفة التي تصنعها السوشيال ميديا، داعيًا الشباب إلى النظر إلى المحاسن قبل العيوب، وإلى بناء بيت يقوم على الدين والعشرة بالمعروف.
وفي ختام اللقاء، أكّد الإعلامي سمير شهاب، مدير الحوار، أن موضوع الزواج بما يحمله من دلالات شرعية واجتماعية هو من القضايا التي تتجدّد الحاجة إلى بيانها، خاصة مع ما يشهده الواقع من تغيّرات واسعة وتنامٍ في تأثير منصات التواصل على أخلاق الناس وتصوراتهم. وأضاف أن النصوص الشرعية رسمت إطارًا واضحًا لهذه العلاقة الإنسانية الرفيعة، وأن الملتقى يأتي ليعيد طرحها بمنهج علمي يجمع بين الرؤية الفقهية والطبية. ووجّه فضيلته الشكر للقائمين على هذه اللقاءات التي تُعقد أسبوعيًّا في رحاب الجامع الأزهر، مؤكدًا أنها أصبحت منبرًا معرفيًّا يُسهم في ترسيخ الوعي بالقضايا الأسرية، وبناء مجتمع يحفظ قيم الشريعة ومقاصدها.ل
تابعوا قناة صدى البلد على تطبيق نبض