في ذكرى وفاته.. قصة صعود أنور وجدي الذي عانق المجد وقهره المرض

تمر علينا ذكرى وفاة أحد أبرز أعمدة السينما المصرية والعربية، الفنان أنور وجدي، في مثل هذا اليوم، 14 مايو من كل عام، والذي ترك بصمة لا تُمحى في تاريخ الفن، رغم مرور عقود على رحيله.
وفي ذكرى وفاته اليوم، نعود بذاكرتنا إلى الوراء لنسلط الضوء على مسيرته المضيئة، وأحلامه التي خلدتها الشاشة، وحياته التي جمعت المجد والدراما في آنٍ واحد.
النشأة والبدايات.. من حي الظاهر إلى سماء النجومية
وُلد أنور وجدي في 11 أكتوبر 1904 بحي الظاهر في القاهرة لأسرة من أصل سوري دمشقي. ترعرع في بيئة متوسطة، وكان شغفه بالفن واضحًا منذ صغره، مما دفعه إلى ترك دراسته والانخراط في عالم التمثيل رغم اعتراض أسرته.بدأ خطواته الفنية الصعبة في وقت كانت فيه السينما المصرية ما تزال في مهدها، ولكن بحلمه الكبير وثقته بنفسه، بدأ يتردد على المسارح، باحثًا عن فرصة، حتى التحق بفرقة يوسف وهبي المسرحية التي كانت آنذاك واحدة من أقوى الفرق التمثيلية.
البدايات الفنية.. حلم كبير يولد على خشبة المسرح
كانت بدايات أنور وجدي الفنية من خلال المسرح، حيث شارك في العديد من الأعمال مع فرقة يوسف وهبي، قبل أن يدخل إلى عالم السينما من أوسع أبوابه. أول أدواره السينمائية كانت صغيرة، لكن حضوره الطاغي وسحره الخاص جعلاه يلفت الأنظار سريعًا.سرعان ما لمع نجمه، وبدأ يأخذ أدوار البطولة، بل وأصبح لاحقًا منتجًا ومخرجًا، ليؤسس بذلك مدرسة خاصة في الأداء والإخراج والإنتاج السينمائي، متأثرًا بالمدرسة الأوروبية لكن بروح مصرية خالصة.
علامات سينمائية خالدة
قدّم أنور وجدي أعمالاً لا تُنسى، ما زالت تُعرض حتى اليوم وتحظى بمتابعة كبيرة من الأجيال الجديدة. من أشهر أفلامه:غزل البنات (1949): بطولة ليلى مراد ونجيب الريحاني، ويُعد من كلاسيكيات السينما المصرية.
الوحش (1954): مع فريد شوقي، وهو فيلم جمع بين الدراما والتشويق وأظهر قدراته التمثيلية الكبيرة.
قلبي دليلي (1947): مع زوجته آنذاك ليلى مراد.
ريا وسكينة (1953): الذي جسد فيه الجانب البوليسي بأسلوب درامي.
حبيب الروح، ليلى بنت الفقراء، وعنبر... كلها أفلام أظهرت براعته كممثل ومنتج ومخرج.
الحب في حياتـه.. بين ليلى و… ليلى!
زواجه من ليلى مراد: قصة حب بين الفن والواقع، حيث ارتبط أنور وجدي بالفنانة ليلى مراد عام 1945، في واحدة من أشهر قصص الحب الفنية في ذلك الوقت. شكل الاثنان ثنائيًا سينمائيًا رائعًا، وقدّما سويًا العديد من الأفلام الناجحة، منها: 'ليلى بنت الأغنياء'، 'عنبر'، 'قلبي دليلي'.لكن رغم النجاح المهني، لم يستمر الزواج طويلًا، وانفصلا بعد حوالي 7 سنوات، وسط شائعات عن غيرة أنور الشديدة وطغيان العمل على حياتهما الخاصة.
زواجه من ليلى فوزي: قصة قصيرة لكنها مؤثرة
بعد سنوات، تزوج أنور وجدي من الفنانة الجميلة ليلى فوزي، في قصة حب قصيرة لم تستمر سوى أشهر، بسبب تدهور حالته الصحية.ورغم قصر فترة الزواج، تحدثت ليلى فوزي كثيرًا عن حبها الكبير له، ووقوفها بجانبه في أصعب لحظات حياته، حتى وفاته.
المرض والوفاة.. النهاية الحزينة لأسطورة
أُصيب أنور وجدي بمرض نادر في الكلى، وهو ما كان سببًا في تدهور حالته الصحية بشكل سريع، سافر للعلاج في السويد، وهناك أجرى عدة عمليات، لكنه لم يتمكن من النجاة.وفي يوم 14 مايو 1955، توفي عن عمر ناهز الـ50 عامًا بعد صراع مع المرض، تاركًا خلفه إرثًا فنيًا عظيمًا وذكرى لا تُنسى في قلوب محبيه.
أنور الإنسان.. قلب كبير خلف الكاميرات
بعيدًا عن الأضواء، كان أنور وجدي معروفًا بكرمه وحنانه، خاصة تجاه زملائه الفنانين الشباب. هناك مواقف إنسانية عديدة تحدث عنها البعض بعد وفاته، مثل دعمه للفنانين المبتدئين، وتحمّله تكاليف علاج بعضهم دون الإعلان عن ذلك.وكان أيضًا معروفًا بحبه للأطفال، وقد حرص في أعماله على تقديم أفلام للأطفال مثل فيلم ياسمين الذي قدم فيه الطفلة فيروز، واعتنى بها فنيًا وإنسانيًا، حتى لُقّب بأنه 'مكتشف الأطفال في السينما المصرية'.
الختام: ذكرى فنان لا يُنسى
أنور وجدي لم يكن مجرد ممثل أو منتج، بل كان مدرسة متكاملة في الفن والقيادة والإبداع. وحتى بعد مرور 70 عامًا على رحيله، لا تزال أعماله تُعرض وتلقى إعجاب الجمهور، وكأنه لا يزال بيننا.في ذكرى وفاته، نتذكر أنور وجدي بكل الحب، وندعو له بالرحمة، ونشكر القدر لأنه منحنا فنانًا بهذه العظمة.