عمرو الخياط يكتب: في الطريق إلي الأمم المتحدة

للمرة الخامسة سيقف الرئيس عبدالفتاح السيسي علي منصة الأمم المتحدة متحدثا باسم مصر أمام العالم، الرجل يعرف قدر ومقدار وطنه، عاما بعد آخر يدرك مستجدات الخطاب الواجب توجيهه للعالم ليسمع صوت الضمير الإنساني المصري بعدما توحد الشعب مع جيشه متمسكا بهويته ودولته الوطنية.

في خطابه الأول وقف السيسي علي قاعدة ٣٠ يونيو الثابتة لم يكن بحاجة الي أن يشرح أو يبرر أي شيء لأي أحد، لكنه ومن منطلق المسئولية التاريخية قرر أن يستعرض أمام العالم شارحا لحركة الإرادة الشعبية المصرية التي التفت حول وطنها لترفض الفساد تارة وتواجه الاستبداد باسم الدين تارة أخري.

خلال  كلمته الأولي كان حريصا علي التحذير المبكر من خطورة العبث باسم الدين علي الأمن الإقليمي والعالمي مؤكدا أن مصر ليست مكانا للطائفية أو للتمييز والإقصاء باسم الدين.

  • • •

في الخطاب الأول كانت أنظار الحاضرين متجهة بكامل تركيزها نحو الرجل لا لكي تتعرف عليه بل لكي تشاهد عن قرب ذلك الذي قرر مواجهة مصيره وقدره وحماية وطنه عشية ٣ يوليو نزولا علي إرادة المصريين في ثورتهم الهادرة يوم ٣٠ يونيو.

خلال  حديثه حرص الرجل علي أن تطغي الصفة الإنسانية علي كلماته ليؤكد أنه حتما هناك أرضية مشتركة من أجل العيش في سلام بعدما استعرض خطورة إفساح المجال لقوي التطرّف المحلية والإقليمية باعتبارها خطرا علي العالم وليس داخل إقليمه أو دولته، مطالبا بضرورة تجفيف منابع الدعم التي مكنت التنظيمات الإرهابية من مواصلة جرائمها ضد الإنسانية.

واصل السيسي خطابه الأول ليعيد التأكيد علي أن مشاكل المنطقة لن تحل إلا من خلال قاعدة فكرية يجب أن تتحول إلي دستور عمل يرتكز علي دعم الدولة الوطنية وعدم المهادنة مع جماعات الإرهاب، الرجل جاء ليؤكد أن ثورة ٣٠يونيو نظرية مصرية تحولت إلي واقع عملي قابل للتكرار كوثيقة مبادئ إنسانية ليقول إن ٣٠ يونيو هدية مصر للإنسانية.

  • • •

واصل  الرجل خطابه الأممي الأول لكي تصل إلي العالم إنسانية الرسالة المصرية التي تتخذ من مبادئ العدل والعيش المشترك معينا لها ومصدرا للعطاء.

خطاب الرجل جاء ليثبت أن ٣٠ يونيو لم تكن أبدا استعراضا ثوريا ولا بناء لأمجاد شخصية، إنما وقفة مع التاريخ فرضت نفسها علي مصر المكان والمكانة التي سيحاسبها التاريخ عن دورها في تقديم القدوة وضرب المثل العملي القابل للتكرار من أجل إنقاذ المنطقة من قوي الشر والظلام، الخطاب جاء ليقول إنه من عزم مصر تستمد المنطقة إرادتها وقوتها وإن قوة السلام أكثر صلابة من قوة الإرهاب.

في العام الثاني وقف الرئيس السيسي بحجم كبرياء وطنه، لكن هذه المرة حرص علي أن تكون رسالته بعنوان »مصر لا تعاني من الإرهاب بل الإرهاب يعاني من صلابة الإرادة المصرية».

وتحدث الرجل مباشرة عن الأمل باعتباره سببا لإنقاذ الشرق الأوسط من ظلمة اليأس الذي يمنح جماعات الإرهاب فرصة التسلل للشباب، ليقف السيسي داعيا العالم إلي تفعيل مبادرة مصر التي انطلقت بعنوان »الأمل والعمل من أجل غاية جديدة» بهدف اجتذاب طاقات الشباب الخلاقة وتوظيف قدراتهم بعيدا عن المتطرفين وأفكارهم الهدامة.

خلال الخطاب تحدث السيسي عن العقل كمنحة إلهية ميز الله بها البشر عن غيرهم من المخلوقات من أجل أن يكون لهم إرادة حرة، الرجل أراد أن يقول إن العقل هو فطرة الله التي فطر عليها الناس وأن انسحاق هذا العقل أمام الانتماء التنظيمي لجماعات الإرهاب هو ضد الفطرة وضد إرادة الله.

  • • •

في كل مرة كان حضور السيسي معبرا عن ثبات خطوات الدولة المصرية وقدرتها علي إدارة ثورتها، لقد جاء ثالث خطاباته حاملا آمال وآلام شعوب الدول النامية التي تحول إمكانياتها الضعيفة دون الوصول لسقف طموحاتها المطلوبة للتنمية.

خلال هذا الخطاب دعا السيسي إلي نظام اقتصاد عالمي أكثر عدلا يوفر فرصا متكافئة للتنمية من خلال نصيب أكبر من التجارة الدولية وتدفق الاستثمارات وتوفير آليات نقل وتمويل التكنولوجيا للدول النامية.

السيسي  كان حريصا علي أن يثبت للعالم أن مصر أبدا لا تنشغل بداخلها عن مسئولياتها الإقليمية والدولية، كان حريصا أن يثبت أن الإرهاب أبدا لا يستطيع أن يشغل مصر ويجعلها منكفئة علي ذاتها أو يجعلها مغيبة عن إقليمها.

بخطوات مصر الثابتة واصل السيسي حديثه للعالم ليلقي رابع خطاباته أمام الأمم المتحدة حريصا علي أن يضع المجتمع الدولي أمام مسئولياته الإنسانية والقانونية، إنقاذا لمصداقيته التي لا يمكن أن تتحقق في ظل التسامح مع من يدعم الإرهاب بينما يتم الإدعاء بأن المجتمع الدولي يواجه الإرهاب..

لقد جاء الخطاب الرابع صادما وصريحا وحاملا لتحد قانوني يضع المجتمع الدولي أمام مسئوليته الحقيقية في حقن الدماء، السيسي كان يتحدث واضعا أمام عينيه وأمام عيون المجتمع الدولي مشاهد اللاجئين الذين تتقاذفهم الأمواج فتلقي بهم أحياء أو أمواتا علي شواطئ المجهول بعد أن شردتهم الحروب الأهلية والاقتتال الداخلي واستباحت جماعات الإرهاب حياتهم ومستقبلهم، بعدها أعلن السيسي في شرم الشيخ أن مقاومة الإرهاب حق من حقوق الإنسان.

  • • •

أرصد السمة الإنسانية التي غلبت علي نصوص الخطابات الرئاسية الأربعة، أرصد كيف تواجه مصر الإرهاب باعتباره خطرا علي عموم الإنسانية ساعتها ستعرف كيف يري الإرهاب مصر، ولماذا يستهدفها بضراوة؟

إذا كانت مصر تملك إدراكا ليس له مثيل لتعريف الإرهاب وطرق مقاومته فتأكد أن جماعات الإرهاب تدرك خطورة تماسك الدولة المصرية عليها.

في كل الخطابات كان السيسي حريصا علي أن يؤكد معني الدولة الوطنية باعتبارها أيقونة الصمود الحقيقي أمام أهداف الإرهاب التي لا يمكن أن تتحقق إلا علي أطلال الدول لتحل محلها الطوائف والعرقيات البغيضة.

في كل الخطابات ظل السيسي حريصا علي مفهوم الدولة الوطنية في مواجهة محاولات الارتداد إلي الولاءات المذهبية والقبلية مرورا علي أنقاض الهويات الأصيلة للدول الوطنية.

الآن نحن علي موعد مع خامس الخطابات الرئاسية المصرية بعد انقضاء فترة رئاسية أولي أثبتت مصر خلالها صلابة أسطورية بعدما التفت إرادة شعبها حول قوة جيشها.

سيقف السيسي مرتكزا علي قاعدته الشعبية التي أعادت تأكيد نفسها بقوة أصوات المصريين التي زحفت نحو صناديق الاقتراع لتعيد انتخاب رئيسها، ولتثبت للعالم أن ٣٠ يونيو وتوابعها الثورية في ٣يوليو و٢٦ يوليو لم تكن أبدا نزوة أو نزهة ثورية بل كانت خروجا فطريا بكامل الوعي والغريزة المصرية التي تحركت لإنقاذ وطن بحجم مصر قاعدة لاستقرار الإقليم وسلامته.

سيقف السيسي ليعاود مخاطبة ضمير العالم وتذكيره بخطورة المواءمات والتوازنات مع تنظيمات الإرهاب.

سيقف السيسي ليقول للعالم إنه إذا كان الإرهاب عدوا للعالم فإن مصر هي العدو الأول للإرهاب، وجودها وصلابتها وتماسكها دليل دامغ علي أن الدولة ولا شيء غير الدولة هي الحقيقة الوحيدة لمقاومة الإرهاب. نقلا عن صحيفة أخبار اليوم.