«النوتيلا من عرق أكراد تركيا».. بي بي سي تحقق في استغلال الأطفال لجمع البندق

ملايين العشاق حول العالم يستمتعون بمذاق «النوتيلا»، أحد أشهر شركات إنتاج الشوكولاتة حول العالم، والتي تحقق مبيعات طائلة، ترتكز في أساسها على الأكراد المهاجرين إلى تركيا، وفق ما نشرت في بي بي سي البريطانية في تحقيق نشرته على موقعها الرسمي.

تنتج تركيا حوالي ثلاثة أرباع المحصول العالمي من البندق، والمشتري الأكبر هو شركة فيريرو المشهورة التي تصنع شوكولاتة نوتيلا. لكن من يجمعون هذا البندق في الغالب هم أسر من المهاجرين، من بينهم أطفال، يعملون لساعات طويلة بمقابل مادي زهيد. فما الذي تفعله فيريرو للتأكد من أن منتجاتها لا تستغل عمالة الأطفال؟

يقول محمد كلاكجي، وهو يحمل فوق ظهره كيسا كبيراً وزنه 35 كيلوغراما من البندق الذي قُطف للتو، إنه عندما يسمع كلمة بندق «فإنها تعني بالنسبة لي البؤس والعمل الشاق».

وبجانب محمد، على حافة الجبل تتحرك عائلة كردية مهاجرة أخرى ببطء بين أشجار البندق. ويستخدم الأب عصا خشبية معقوفة لهز الأغصان، بينما تنحني زوجته وأطفاله لجمع عناقيد البندق المتساقطة، ذات القشرة الخضراء.

ويستمر هذا العمل الشاق قرابة عشر ساعات يوميا، على منحدرات شديدة يمكن أن يفقد المرء توازنه عليها بسهولة.

ويجمع مصطفى ومحمد البندق كسائر الأفراد، لكنهما يعملان بشكل غير قانوني، فهما في العاشرة والثانية عشرة من العمر وهو أقل بكثير من الحد الأدنى لسن العمل القانوني في تركيا.

ويتكرر هذا المشهد في أغسطس من كل عام، حين يأتي موسم الحصاد على طول ساحل البحر الأسود في تركيا، التي تُنتج 70 في المئة من البندق في العالم.

وتأتي معظم العمالة الموسمية من جنوب وشرق تركيا، وأغلبهم من الأكراد الفقراء.

وتحدد السلطات المحلية الأجور بـ 95 ليرة تركية (16 دولار) في اليوم. وبحساب ساعات العمل اليومي، يتبين أن الأجر أقل بكثير من الحد الأدنى للأجور الذي يحدده القانون التركي عند 2020 ليرة في الشهر، مقابل 40-45 ساعة عمل في الأسبوع.

ويقل الأجر بالنسبة للأسر، إذ يتقاضى كل فرد 65 ليرة كحد أقصى (وعادة ينحفض الأجر إلى 50 ليرة في المتوسط) بعد سداد 10 في المئة للسمسار الذي يجلبهم للعمل، وأجرة الطريق من وإلى منازلهم، وتكلفة المعيشة.

ويقول كاظم يامان، صاحب أحد بستانين البندق إنه يعارض عمالة الأطفال «فهم (الأسر) يجعلون أطفالهم يعملون كالماكينات. وبالنسبة لهم المزيد من الأطفال يعني المزيد من الدخل».

لكنه يقول إن الكثيرين من أصحاب البساتين الآخرين يقبلون عمالة الأطفال، وإنه لا يجد خياراً سوى دفع أجور للأطفال لأن الآباء يصرون على عملهم.

وتابع: «أحاول ألا أجعلهم يعملون، لكنهم يهددون بالرحيل. الأب والأم يريدونهم أن يعملوا ويتقاضوا أجرا».

وأضاف: «يجب كسر هذه السلسلة»، لكن كيف يمكن كسر هذه السلسلة؟ فتركيا بها حوالي 400 ألف بستان للبندق.والغالبية العظمى صغيرة المساحة، كحال بستان كاظم الذي لا تزيد مساحته على بضعة فدادين. والكثير منهم لا يعرفون أين ينتهي الحال بمحصولهم.

وفي نهاية هذه السلسلة المعقدة، نجد الفرع التركي لشركة الشوكولاتة المعروفة فيريرو، التي تملكها أسرة إيطالية وتصنع شوكولاتة نوتيلا، وفيريرو روشيه، وكيندر. وتشتري الشركة حوالي ثلث الإنتاج التركي من البندق. فهي تصنع كميات من شوكولاتة نوتيلا تزن ما يعادل مبنى الإمباير ستيت الأمريكي، أي حوالي 365 ألف طن.

ولا تزرع فيريرو البندق أو تتاجر فيه بنفسها، وتقول على موقعها الإلكتروني إن «تتبع الخامات أمر أساسي للتأكد من جودة المنتجات وعملية الإنتاج».

وتسعى الشركة لتتبع مئة في المئة من كميات البندق المستهلكة بحلول العام 2020. لكن التقرير المقرر نشره قريبا يقول إنها حتى الآن لا يمكنها تتبع سوى 39 في المئة.

وإذا تتبعت سلسلة الشراء، سيكون واضحا كمية الأمور التي يمكن اكتشافها.

يسكن إينجيناي أكجاي في بلدة أوردو على البحر الاسود، وهي بلدة تعتمد بالكامل على إنتاج البندق. وأكجاي واحد من آلاف تجار البندق المستقلين الصغار. يتسلم البندق من المزارعين في أكياس، ويدفع لهم ثمنه بناء على جودته، التي تعتمد بالأساس على نسبة وزن القشر بالنسبة للحبة نفسها. ثم يبيع البندق لمصانع التكسير، أو المصدّرين مباشرة، ومن بينهم فيريرو.

ويقول إن فيريرو روشيه لا تسأله عن المزارعين الذين يشتري منهم البندق، أو عن ظروف العمالة في مزارعهم. «فلا شأن لنا بعمالة الأطفال. التحكم والرقابة أمر يرجع للدولة وقوات الأمن». ثم يأتي ضمن هذه السلسلة عثمان جقماق، فهو يشترى من التجار ويبيع لـ فيريرو وغيرها من المصدّرين والمصنّعين.

ويقول كذلك إن فيريرو لا تسأله عن الفلاحين الذين ينتجون البندق الذي يبيعه لهم. «فأنا أشتري، ثم أبيع. ومن المستحيل تتبع ومراقبة هذه الأطنان من البندق».

وأضاف: «بالنسبة لـ فيريرو، إذا لم تكن لديهم مشروعاتهم الزراعية بقيم عمل محددة، لن يتسنى لهم معرفة الشخص الذي ينتجها».

وأطلقت شركة فيريرو في تركيا برنامج القيم الزراعية عام 2012، ويقدم مجموعة من التدريبات المجانية لمزارعي البندق حول طرق الحصاد الأكثر حرفية، ومساعدتهم على زيادة مداخيلهم مع احتفاظهم بحق بيع محصول لمن يشاءون.

وفي إحدى المزارع النموذجية التي طورتها فيريرو، يشرح عالم الزراعة الخاص بها غوكخان عريق أوغلو كيف يمكن أن تنتج شجرة البندق عناقيد من 21 حبة، عن طريق تحسين التشذيب والري والوقاية من الحشرات.

كما تنظم فيريرو روشيه بالتعاون مع منظمات أهلية وغيرها من الهيئات دورات تدريب لأصحاب بساتين البندق والعاملين في هذه البساتين ولمقاولي اليد العاملة وللتجار وللوسطاء وغيرهم من العاملين في كل ما له علاقة بالبندق بهدف توعيتهم بالطرق المثلى لتحسين انتاج البندق وجعلها أكثر قابلية على الاستمرار.

ومن بين ما تتضمنه دورات التدريب التوعية بحقوق العمال ومنع عمالة الأطفال. وتسعى الشركة إلى إشراك النساء سواء مالكات البساتين أو العاملات في جمع البندق في هذه الدورات.

وتقول الشركة إن عدد الأشحاص الذي شاركوا في الدورات التي تنظمها وصل إلى نحو 42 ألف شخص، أي ما يمثل أقل من 10 بالمئة من إجمال عدد الأفراد اللذين لهم علاقة بالبندق في تركيا.

وهنا يطرح السؤال التالي: كيف تتأكد الشركة من أن الأطفال لم يعملوا في جمع ثمار البندق؟. في مقابلة نادرة من نوعها مع مدير فرع فيريرو روشيه في تركيا، بامسي أكين، أكد أن الشركة لن تتعامل مع أي شحنة من البندق إذا تبين للشركة أن ممارسات أو تصرفات منافية للقانون تم اتباعها أو اللجوء إليها في إنتاجها. وأضاف: «نسعى إلى تحسين أساليب وأخلاقيات العمل في هذا المجال. لكن هل كل حلقات الإنتاج والبيع والنقل خالية من الشوائب؟ لا أعتقد أنه يمكننا تأكيد ذلك في الوقت الراهن».

ولدى مواجتهه بحقيقة أن التجار والوسطاء الذي قابلناهم وأكدوا بأن فيريرو روشيه لا تسألهم أبدا عن مصدر البندق الذي يبيعونه لها، أجاب قائلاً: «نحن لا نطرح أسئلة مثل هذه لكن لدينا طرقنا الخاصة وأدواتنا لمراقبة البندق قبل وصوله إلينا. نحن نتحدث إليهم قبل بدء الموسم ونوضح لهم موقف الشركة والشروط التي يتم الإيفاء بها في انتاج البندق على الصعيد الاجتماعي». وأكد أكين أن الشركة تحتفظ باسماء جميع الوسطاء والتجار اللذين تتعامل معهم وهي على استعداد لتقديم قائمة بأسمائهم لكن لا «يمكن أن نعرف كل أسماء أصحاب بساتين البندق». وفي ما يتعلق بمدى صحة ادعاء الشركة على موقعها بأنه يمكن تعقب مصدر المواد الأولية الداخلة في إنتاجها، أوضح أكين أن الشركة صادقة دائما مع المستهلكين.

لكن على الطريق الضيق الذي يصل إلى بستان كاظم يامان المطل على البحر الأسود كان مصطفى البالغ من العمر 12 عاما يفرغ كيسا كبيراً آخر من ثمار البندق الثقيلة.

وأخبرنا كاظم بأنه شاهد قبل أيام قليلة الوالد وهو يضع كيساً كبيراً على ظهر ابنه الصغير مصطفى «صرخت به وقلت له ماذا تفعل؟ فأجاب دعه يتعود على ذلك». وكشف لنا كاظم أن فيريرو روشيه دعته للمشاركة في دورة عن أخلاقيات الزراعة لكنه رفض المشاركة فيها لأنه مثل غيره من كبار السن من مالكي بساتين البندق لا يؤمنون بالتغيير ويرتابون به. وأوضح أن هذه «السلسلة لن تتحطم بجهود فرد أو أثنين لكن سيأتي الوقت الذي تتحطم فيه».

وفي هذه الأثناء تنتقل أسرة كردية أخرى تضم الأب والأم وبنتين بالغيتن وأبنا بالغا وطفلين إلى كوخ بدائي صغير وسيكون هذا الكوج منزلهم لمدة شهر دون ماء أو كهرباء أو دورة مياه أو مياه.

سألت الأم عائشة، كم مرة تناولت الشوكولاتة بالبندق؟ فأجابت ضاحكة: «شخصيا لا أتناولها، ولا أريد رؤيتها لأنها مرتبطة عندي بالفقر والبؤس».