بين ركلات «الجزاء» و«الترجيح».. أحلام نجوم عظام أنطفأت في لحظات سوداء

لقد كتبوا على أسوار مدنهم والفاتيكان 'سيغفر الرب للجميع إلا روبرتو باجيو'.. كانت تلك قصة أشهر ركلة ترجيح مهدرة في التاريخ الكرويس لرجل مات 'واقفًا'، لم يقدر على أن يتمالك ويصمد وهو يرى نفسه قد أطاح بأحلام شعبه.

'من أطفأ الشمس' و'من بعث غيرها من تحت الأنقاض'، بين هذا وذاك قصة أوطان وشعوب تعلقت بركلة جزاء لعلها تكون بارقة الأمل ثم استفاقت على كابوس مرّ انتعش معه الخصوم، الذين بُعثوا من جديد بإهدار ركلة كادت أن تعصف بأحلامهم وطموحاتهم.

كيف مات باجيو واقفًا؟ وكيف تحولت ركلة اصطادت العارضة بدلًا من الشباك لشبح يطارد أساموا جيان طوال حياته؟ وكيف كتب زيكو نهاية مأساوية لجيل البرازيل الأعظم على الإطلاق؟

كل ذلك كان بسبب ركلة ترجيح أو ركلة جزاء، غيّرت مجرى التاريخ في كأس العالم، آخرها كان من النجم الإنجليزي هاري كين، الذي أطاح بأحلام بلاده خارج مونديال قطر، بعدما أهدر ركلة جزاء 'ثانية' لمنتخب إنجلترا أمام فرنسا، في الدور ربع النهائي من كأس العالم.

وكان الإنجليز يعولون على هاري كين، الذي سجل 4 ركلات جزاء في كأس العالم بنجاح، في أن يعدل النتيجة بعد تأخر منتخب الأسود الثلاثة أمام الديوك الفرنسية بهدف لاثنين.

لكن هاري كين اختار أن يرسل كرته صوب المدرجات، ليسبب صدمة للإنجليز، الذين ودعوا المونديال، لتستمر قصة ركلات جزاء فارقة ضاعت معها الأحلام والتطلعات.

'باجيو مات واقفًا'.. في هذه العباراة القاسية كانت مأساة نجم الكرة الإيطالية في ذلك التوقيت، بعدما تحولت مسيرته الأسطورية في مونديال 1994 إلى نهاية درامية مأساوية، قبل 28 عامًا من الآن، لتكون واحدة من قصص المونديال التي لا تُنسى نستحضرها ونحن على أعتاب النسخة الثانية والعشرين من كأس العالم 2022 بقطر.

علمتنا الحياة أنه لا أحد يموت واقفًا، لكن هناك شخص مات واقفًا في يوم 17 يوليو 1994 في أرضية ملعب روز بول بمدينة كاليفورنيا، رغم أنه لا يزال على قيد الحياة إلى يومنا هذا.

ركلة جزاء باجيو الشهيرة

دخل روبرتو باجيو لينفذ ركلة الجزاء الأخيرة لمنتخب إيطاليا في نهائي مونديال 1994، والصمت يعم أرجاء المكان، وبأقدام باجيو إبقاء آمال الطليان في التتويج بلقب المونديال، فلا مفر وقتها من تسديد تلك الضربة بنجاح للإبقاء على آخر الأحلام نحو استعادة أمجد الألقاب وأغلى الكؤوس.

لكن باجيو أطاح بالكرة خارج المرمى وأعلى العارضة بكثير ليطيح معها أحلام الإيطاليين، الذين ناموا حينها ليلة حزينة لفقدان اللقب العالمي.

وقتها تسمر باجيو مكانه ولم يحرك ساكنًا، فلا شيء أسوأ من تلك اللحظة، التي يمر بها الإنسان، وحولة البرازيليون يطيرون من الفرحة بتتويج غاب لنحو 24 عامًا عن بلاد السامبا.

وقبل مونديال 1978، لم يكن العالم يعرف نظام ركلات الترجيح لحسم المتأهل، فالمباراة التي تنتهي بالتعادل في وقتيها الأصلي والإضافي يتم إعادتها، قبل أن يتم إدخال ركلات الترجيح بدءًا من مونديال 1978 لحسم المتأهل.

ومع ذلك لم يتم اللجوء إليها في هذه النسخة المونديالية، فكان الظهور الأول لركلات المعاناة الترجيحة في الدور نصف النهائي لمونديال 1982 بإسبانيا، بين ألمانيا الغربية وفرنسا، بعد التعادل في الوقتين الأصلي والإضافي بثلاثة أهداف لمثلها، ليتم اللجوء إلى ماراثون من ركلات الترجيح آل في النهاية إلى انتصار الألمان ومرورهم إلى الدور النهائي حينها.

ركلة جزاء زيكو التاريخية ضد فرنسا

أشهر ركلة جزاء مهدرة في ثمانينيات القرن الماضي كانت من نصيب الأسطورة البرازيلية زيكو، في الدور ربع النهائي لكأس العالم 1986.

ولو سألت العالمين بكرة القدم البرازيلية حول أفضل أجيال البرازيل، المتوجة بالمونديال 5 مرات، فستكون الإجابة حاضرة مباشرة عن جيل مونديال 1982 بأسمائه الكبيرة، لكن هذا الجيل صادفه سوء توفيق حرمه من أن يرصع تاريخه بنجمة التتويج بكأس العالم.

وفي مونديال 1986 لاحت الفرصة مجددًا لهذا الجيل لتنصيب نفسه ملكًا متوجًا في ظل أداء قوي في دور المجموعات وتصدر المجموعة التي ضمت إسبانيا وأيرلندا الشمالية والجزائر بالعلامة الكاملة، واكتساح بولندا، ثالث العالم وقتها، برباعية نظيفة في الدور ثمن النهائي.

وكانت البرازيل على موعد مع ربع نهائي ناري مع فرنسا، بطل أوروبا عام 1984، ومع تقدم البرازيل مبكرًا في النتيجة عادل ميشيل بلاتيني للفرنسيين في الشوط الأول.

ومع قرب انتهاء الوقت الأصلي من المباراة، بدت البرازيل أنها في طريق حسم التأهل للمربع الذهبي وتكملة مشوار المونديال حينما لاحت لها ركلة جزاء، تقدم لها الأسطورة زيكو كي يحمل بلاده نحو مربع الكبار، لكنه حمل بلاده لأوقات العذاب ومن بعدها ركلات المعاناة، بتضييعه ركلة الجزاء.

وامتدت المباراة لركلات الترجيح فسجل زيكو في الركلات بعدما ضيع في أهم الأوقات، لكن هذا لم يمنع فرنسا من إقصاء السامبا وكتابة نهاية مأساوية لواحد من أعظم أجيال البرازيل عبر التاريخ.

وفي العصور الحديثة من كأس العالم، لا ينسى أحد ركلة ترجيح ديفيد تريزيجيه الشهيرة في نهائي مونديال 2006 بألمانيا بين فرنسا وإيطاليا.

وبعد انتهاء الوقتين الأصلي والإضافي بالتعادل الإيجابي بهدف لمثله، احتكم المنتخبان لركلات الترجيح، التي ابتسمت لإيطاليا بعدما ضيع تريزيجيه ركلة الترجيح الثانية، التي صدمت العارضة الأفقية قبل أن تسقط على خط المرمى دون أن تتجاوز خط المرمى بكامل استدارتها.

ركلة أساموا جيان المريرة

وفي عام 2010، كان أساموا جيان على موعد مع تسطير التاريخ ولكن في الصفحات المظلمة بدلًا من صفحات المجد بعدما ضيّع على قارة بأكملها فرصة التواجد في المربع الذهبي لكأس العالم بجنوب أفريقيا.

وبينما كانت مباراة غانا وأوروجواي في الدور ربع النهائي من مونديال 2010 في طريقها نحو ركلات الترجيح وقع لويس سواريز في المحظور فمنع كرة غانية من المرور إلى الشباك بيده ليُطرد على إثرها، وتحصل غانا على ركلة جزاء.

وبدلًا من أن يسكنها جيان الشباك اصطاد العارضة الأفقية، ليفشل في ترجمة الكرة إلى هدف كان سيحمل غانا نحو كتابة التاريخ.

وعن هذه الركلة يقول جيان إنها ستظل شبحًا وكابوسًا يطارده طوال حياته.

وبعدها بأقل من عامين، أهدر جيان ركلة جزاء أمام زامبيا في الدور نصف النهائي من كأس أمم أفريقيا، لتخسر غانا المباراة بعدها بهدف نظيف، ولتستمر عقدة عدم التتويج بلقب أمم أفريقيا لمنتخب البلاك ستارز صاحب الأربع ألقاب، التي كان آخرها عام 1982.

ميسي في نهائي كوبا أمريكا

وبعيدًا عن كأس العالم وفي كوبا أمريكا عام 2016 بالولايات المتحدة، كان ميسي يتوق لأول تتويج له مع منتخب بلاده بلقب دولي، ووصل إلى النهائي أمام تشيلي.

المباراة انتهت بالتعادل السلبي في الوقتين الأصلي والإضافي، ليلجأ المنتخبان إلى ركلات الترجيح لحسم أمر المتوج باللقب، وهنا كان ميسي هو عنوان المأساة، حينما أطاح بركلته خارج المرمى لتخسر بعدها الأرجنتين بواقع 4 ركلات لاثنتين، ليذرف ميسي دموع الخيبة والحزن.

ركلة ساكا ضد إيطاليا في نهائي يورو 2020

وفي الآونة الأخيرة، لا يوجد أشهر من ركلة بوكايو ساكا، لاعب منتخب إنجلترا، ضد إيطاليا في نهائي يورو 2020، الذي اُقيم بصورة استثنائية عام 2021 بسبب جائحة كورونا.

وبعد أن انتهت المباراة بالتعادل الإيجابي بهدف لمثله، امتدت المباراة لركلات الترجيح فأهدر الأنجليز ركلتين قبل ركلة ساكا الأخيرة، وأهدر الطليان مثلهما، ليصبح أمام ساكا مهمة تعديل النتيجة واللجوء لركلة ومثلها.

لكن ساكا ضيع آمال الإنجليز في أول تتويج بلقب اليورو في تاريخ منتخب الأسود الثلاثة، بعدما تصدى جانلوجي دوناروما لركلته بنجاح.

وبسبب هذه الركلة تعرض ساكا لهجوم حاد وصل إلى حد الهجوم بعبارات عنصرية، كونه من أصحاب البشرة السمراء.

وفي أفريقيا، لم يكن النجم المصري محمد صلاح بعيدًا عن مقصلة ركلات الترجيح المفصلية الضائعة، فأهدر أول ركلة ترجيح ضد السنغال في الدور الفاصل المؤهل لكأس العالم 2022 بقطر.

أشعة الليزر المستخدمة من الجمهور السنغالي غطت وجه صلاح أثناء تسديده ركلة الترجيح، فأطاح بها خارج المرمى، لتسهم تلك الركلة في فشل مصر في التأهل لكأس العالم 2022 بقطر.

أهداف مباراة فرنسا ضد إنجلترا في ربع كأس العالم 2022 .. هاري كين يهدر ركلة جزاء للأسود