خطيب الجامع الأزهر: الشريعة تؤكد أن الشحناء سبب البلاء والخصومات تمحق البركات

قال الدكتور محمود الهواري الأمين العام المساعد للدعوة والإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلامية، إنَّ الله عزَّ وجلَّ أودع عباداتِه أسرارً وحكمًا ودروسًا وعبرًا، وإنَّ شهر رمضان وما فيه من عباداتٍ متنوِّعةٍ يحقُّ أن يكون مدرسةً مستقلةً كاملةً فيها من الدُّروس ما تشتدُّ الحاجة إليه الآن.

نص كلمة خطيب الجامع الأزهر في خطبة الجمعة

وأضاف د. الهواري أن رمضان علَّمنا أنَّ ديننا دينُ الفرح والسُّرور والسَّعادة والحبور وذلك على خلاف ما يصوِّر بعض النَّاس عن هذا الدِّين من أنَّه دين حزنٍ وكآبةٍ ومشقَّةٍ وتعذيبٍ، أو أنَّه دين بؤسٍ ويأسٍ، ولكنَّ الصِّيام يردُّ عليهم، قال الله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾، وفضل الله ورحمته كما يقول المفسِّرون الإسلام والقرآن؛ فالله عزَّ وجلَّ يأمر عباده أن يفرحوا بدينه وبالقرآن الَّذي أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم، وبالضَّرورة أن يفرحوا به سبحانه وتعالى؛ فإنَّ مَن فرح بما يصل إليه من جودٍ وكرمٍ وإحسانٍ يكون فرحُه بمَن أوصل ذلك إليه أولى.

المصلين من الجامع الأزهر في خطبة الجمعة

فرح المسلم بيوم العيد

وتابع الأمين العام المساعد للدعوة والإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلامية قائلًا: المسلم يفرح بالله وما شرعه من عباداتٍ، ومنها الصِّيام، الذي يكون لصاحبه فرحتان كما جاء عند البخاريّ ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ»، فالصَّائمون يفرحون كلَّ يومٍ حين يبيحُ آذانُ المغرب أنَّ يتمتَّعوا بما كان ممنوعًا عليهم من طعامٍ وشرابٍ وشهوةٍ، وتأتي فرحةٌ أكبر من ذلك يوم العيد حين تنشرح الصُّدور وتشرق الوجوه، ويقبل النَّاس بعضُهم على بعضٍ مهنِّئين: تقبَّل الله منَّا ومنكم وما أشبه هذا من التَّحيَّات، ثمَّ يأتي يوم الفرح الأكبر يوم القيامة حين يلقى الصَّائمون ربَّهم فيفرحون بصيامهم وبصبرهم وبعبادتهم وبالأجر الَّذي ادَّخره الله لهم حين قال: «إلَّا الصَّوم فإنَّه لي وأنا أجزي به»، وحين يدخلون من باب الرَّيان فإذا دخلوا أغلق دونهم فلم يدخل منه غيرُهم. فدينُنا دين الفرح بالله وبرسوله وبكتابه وبعبادته وبالفوز والنجاة يوم القيامة إن شاء الله.

المصلين من الجامع الأزهر في خطبة الجمعة

الشحناء سبب البلاء

وأوضح د.الهواري أن رمضان علمنا أنَّ الشَّحناء سببُ البلاء، وأنَّ الخصومات تُذهب البركات، وأن هذا أشبه قانون إلهي، وقد ظهر صدق هذا القانون فيما عشناه في العشر الأواخر من رمضان فقد كنا نرجو الله عزَّ وجلَّ أن ندرك ليلة القدر، ورحنا في حيرةٍ نلتمس علاماتها، فمن النَّاس من يلتمس علامتها في الشَّمس فهو ينظر إليها لعلَّها لا شعاع لها، وآخرون يلتمسون علامةً في هوائها ونسيمها، وآخرون يرون علامة في إقبالهم فيها على الطَّاعة، ونسأل الله أن يحقِّق رجاء الجميع. لكن الَّذي ينبغي أن يعرف أنَّ الشَّحناء هي الَّتي ضيَّعت ليلةَ القدر، ففي المعجم الكبير للطَّبرانيِّ أنَّ الفَلْتَانَ بْنَ عَاصِمٍ قَالَ: أَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ أَتَاهُ مِنَ الْأَعْرَابِ فَجَلَسْنَا نَنْتَظِرُهُ فَخَرَجَ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ فَجَلَسَ طَوِيلًا لَا يَتَكَلَّمُ، ثُمَّ سُرِّي عَنْهُ، فَقَالَ: «إِنِّي خَرَجْتُ إِلَيْكُمْ وَقَدْ تَبَيَّنَتْ لِي لَيْلَةُ الْقَدْرِ ومَسِيحُ الضَّلَالَةِ، فَخَرَجْتُ إِلَيْكُمْ لِأُبَيِّنَهَا لَكُمْ وَأُبَشِّرَكُمْ بِهَا، فَلَقِيتُ بِسُدَّةِ الْمَسْجِدِ رَجُلَيْنِ يَتَلاحَيَانِ مَعَهُمَا الشَّيْطَانُ، فَحَجَزْتُ بَيْنَهُمَا، فَنَسِيتُهَا وَاخْتُلِسَتْ مِنِّي فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ».

فيما أشار خطيب الجامع الأزهر إلى أن هذه الأحاديث للنبي ﷺ تؤيد وتؤكد صدق أنَّ الشَّحناءَ سبب البلاء، وأنَّ الخصومات تمحق البركات، ومن هذه الأحاديث ما تجدونه في ليلة النِّصف من شعبان، ليلة الغفران، ففي سنن ابن ماجةَ عن أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ الله ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ، إِلاَّ لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ».

المصلين من الجامع الأزهر في خطبة الجمعة المصلين من الجامع الأزهر في خطبة الجمعة

الشحناء تمنع المغفرة

وهاهي الشَحناء مرة أخرى تمنع المغفرة. بل إنَّ الشَّحناء والخصومات تمنع الجنَّة، ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: « تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا».

فما أحوج الأمَّةَ إلى أن تعيش معنى السَّلام، وأن يسلم الكلُّ من لسان الكلِّ وقلبه ويده!

ولفت خطيب الجامع الأزهر إلى أن رمضان علمنا أنَّ وحدة الأمَّة ممكنةٌ، فقد اجتمعت الأمَّة في عبادةٍ واحدةٍ، وصفَّت في الصَّلاة إلى قبلةٍ واحدةٍ، وقرأوا جميعًا من كتابٍ واحدٍ، وابتهلوا في دعائهم إلى الله الواحد أفلا يسعهم بعد هذا أن يكونوا أمَّة واحدةً؟

إنَّ الله عزَّ وجلَّ يعلن عن أوصاف الأمَّة في قرآنه فيقول: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾، ولا شك أنَّ هذه الوحدة من شواهد الخيريَّة وأدلَّتها؛ ولذا فنحن مأمورون بأن نتمسَّك بما يجمعنا، يقول الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ وحبل الله ما يجمعنا من قرآنٍ وسنةٍ وعباداتٍ وأخلاقٍ وتاريخٍ وقيمٍ، وما يجمعنا أكثر ممَّا يفرِّقنا، فلماذا نتجاوز ما يجمع الأمَّة من أسبابٍ شريفةٍ إلى شيء لا يستحقُّ أن يكون شيئًا؟!

وكأنَّ رمضان ينادي العقلاء والحكماء من أبناء الأمَّة أن اجتمعوا ولا تتفرَّقوا، فإنَّ اجتماعكم فيه مرضاةٌ لربِّكم، وهو شوكةٌ في حلوق أعدائكم.

وقال: إنَّ شهر رمضان قد أقام علينا الحجَّة أنَّنا نستطيع الالتزام بأوامر الشَّريعة، لقد صمنا وصلينا وقرأنا وتصدقنا، فما سمعنا عن رجلٍ مات من كثرة الصَّلاة، ولا عن رجلٍ أهلكته قراءة القرآن، ولا عن رجلٍ أفقرته الصَّدقة، وإنَّما نسمع عمَّن يموت بالمخدرات والمسكرات، ومن يفتقر بالمقامرة والميسر، وعمَّن يضيع بصحبةِ السُّوءِ. فهلَّا أخذنا من رمضان زادًا إلى غيره؟

إنَّ خير الأعمال ما داوم صاحبه عليه، وقد روى مسلمٌ في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ» أي جعله ثابتًا غيرَ متروكٍ، وفي صحيح مسلمٍ أيضًا عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: «أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ».

فالرحم التي وصلت في رمضان ما زالت تنادي على الناس بالوصل، والفقراء الذين امتدت إليهم يد الإحسان ما زالوا في حاجة إلى إحسانك، والقرآن الذي قرأته لم يرفع يعد، والمساجد التي عمرتها لماذا تهجرها؟.

الآلاف يودون صلاة عيد الفطر المبارك بجامع الأزهر الشريف.. صور

مفتي الجمهورية: المنهجية العلمية في الأزهر الشريف متوازنة بين العقل والنقل.. فيديو

4000 وجبة يوميا.. إفطار جماعي في الجامع الأزهر الشريف بأول يوم رمضان

الأزهر الشريف يعلن رفضه القاطع لدعاوى دمج الديانات الثلاث

الأزهر الشريف يحتفل بعيد ميلاد الإمام أحمد الطيب: دامكم الله ذُخرا للإسلام والمسلمين