فاتن عبد المعبود تكتب: التجربة الكورية
مع انتهاء الحرب الكورية عام 1953 كانت كوريا الجنوبية من الدول الفقيرة التي عانت من دمار في جميع نواحي الحياة، نتيجة الاحتلال الياباني وحربها مع كوريا الشمالية، مما أسفر عن خسائر بشرية واقتصادية كبيرة، بالإضافة إلى ارتفاع التضخم وزيادة عجز الميزان التجاري وكثافة سكانية كبيرة، وفقر وبطالة مرتفعة، ونقص التغذية، مع صغر المساحة حيث أغلبها منحدرات وتلال ومرتفعات تفتقر للموارد الطبيعية.
بدأت جهودها لمواجهة الآثار الناجمة عن الحرب من خلال بناء البنى التحتية المدمرة؛ مع الاحتفاظ بجيش قوي، ومعالجة التضخم والتقليل من آثاره السلبية.
خلال فترة لا تتجاوز ثلاثون سنة حققت نمو اقتصادي سريعا وأصبح اقتصادها ينافس أكبر القوى الاقتصادية في العالم. حيث استطاعت تغيير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية والسياسية، وهي من أكبر الدول في إنشاء المحطات النووية لإنتاج الكهرباء.
أصبحت ماركة عالمية في الصناعات مثل السيارات والسفن والتكنولوجيا، وبات ترتيبها ضمن أحسن الدول في المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، فكوريا الجنوبية مصنفة ضمن الدول ذات الدخل المرتفع التي لديها تنمية بشرية مرتفعة جدا، ومستوى معيشة جيد.
اهتمت كوريا الجنوبية باقتصادات المعرفة، وهو اقتصاد محرك للتنمية الاقتصادية، التي كان لها أعظم الأثر على فكرة التحول الديمقراطي لديها.
في مرحلة مبكرة من تاريخ تطورها تبنت خطة إعادة هيكلة اقتصادها واتبعت نظام الحماية وسياسة إحلال الواردات في الصناعات التي تمتاز فيها، مثل صناعة الملابس والنسيج وصناعة الأحذية والجلود والصناعات الغذائية، والصناعات التي تنتج السلع والمواد الوسيطة الأساسية كالإسمنت والأسمدة، كما ركزت على الصناعات كثيفة العمالة لاستيعاب أكبر عدد من العمالة.
نجحت سياسة إحلال الواردات إلى حد ما خلال هذه المرحلة خاصة للسلع غير المعمرة ومستلزمات من المواد الخام في إرساء قواعد بناء صناعي للتحول من الاعتماد على المواد الزراعية إلى الصناعات الموجهة للتصدير، بسبب توافر العمالة الرخيصة، والمواد الخام والسلع الوسيطة التي تمتلكها.
اعتمدت استراتيجية تنمية الصادرات الكورية على التدعيم المباشر وغير المباشر للقطاعات التصديرية، واتجهت إلى تدعيم أي صناعات موجهة للتصدير فقد طبقت العديد من الإجراءات منها على سبيل المثال رد نسبة من الرسوم الجمركية على استيراد مستلزمات الإنتاج المستخدمة في إنتاج سلع تصديرية؛ومزايا ضريبية، مع منح قروض قصيرة الأجل للمؤسسات متوسطة الحجم والصغيرة والمرتبطة بالتصدير.
ومع ضعف الموارد الطبيعية وضيق المساحة الجغرافية ونقص رأس المال توجهت كوريا الجنوبية إلى الاعتماد على رأس المال البشري، لذلك اهتمت بالاستثمار في مجال التعليم، ومدارس التعليم المهني، لتطوير إنتاجية عمالها وتحسين مهاراتها بما يتواكب مع التطورات التكنولوجية التي تزامنت مع عمليات التصنيع السريع.
وأعطت اهتماما للتدريب مع التركيز على العلوم والتكنولوجيا، حيث اعتمدت كوريا على القروض الخارجية لتمويل عمليات الاستثمار في رأس المال البشري ونقل التكنولوجيا، والاتجاه نحو تكثيف الصناعات عالية التقنية، وكان للتعليم أثرا إيجابيا مهما على النمو الاقتصادي.
العامل الأعظم والاهم في نجاح التجربة الكورية هو الشعب، الذي كان يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة وإعلاءها عن المصلحة الفردية الخاصة، وإرادته في تحقيق التنمية الاقتصادية، فوعي الشعب لأهمية الاستراتيجيات والخطط التنموية المتبعة من قبل حكوماته، أعطى قوة جبارة في جعل كوريا الجنوبية دولة لها مكانة ،فالشعوب هي من تصنع مكانتها.
فاتن عبد المعبود تكتب: نظرة ثاقبة
بديل إيهاب جلال| اتحاد الكرة يدرس التجربة البلجيكية.. وهنري وكيروش في الصورة