في ذكرى وفاته.. «مصطفى درويش» من الاتصالات إلى الشهرة المفاجئة والنهاية الصادمة

تمر اليوم الخميس الموافق 1 مايو 2025، الذكرى الثانية على وفاة الفنان الراحل مصطفى درويش، الذي خطف الأضواء بأدواره المتنوعة وحضوره المميز على الشاشة، قبل أن يباغته الموت فجأة في الأول من مايو 2023، تاركاً وراءه حزناً عميقاً في قلوب محبيه وزملائه في الوسط الفني.
لم يكن مصطفى درويش مجرد ممثل عابر، بل كان قصة نجاح بدأت بالصدفة، وشقت طريقها بثبات نحو النجومية، لتنتهي بشكل مفاجئ ومؤلم.
نشأة مصطفى درويش
ولد مصطفى حسين درويش، وهو الاسم الذي اضطر لاستخدامه لاحقاً لتمييز نفسه عن فنان آخر يحمل نفس الاسم، في الحادي عشر من يناير عام 1980 بمدينة السادس من أكتوبر بمحافظة الجيزة، ونشأ في بيئة مصرية تقليدية، وكان والده يعمل مهندساً، وله ثلاثة أشقاء ذكور، لم تكن بوادر الفن واضحة في سنواته الأولى، بل كانت التجارة هي ما داعب خياله لفترة وجيزة خلال دراسته الثانوية، حيث حاول بيع الذرة المشوية في مشروع صغير لم يكتب له النجاح.بعد إتمام دراسته الثانوية، التحق مصطفى درويش بكلية الخدمة الاجتماعية، وبعد تخرجه، لم يتجه مباشرة نحو الفن، بل سلك مساراً مهنياً مختلفاً تماماً.
سافر إلى المملكة العربية السعودية للعمل كمندوب مبيعات، في تجربة لم تدم طويلاً، ليعود بعدها إلى مصر وينضم إلى إحدى شركات الاتصالات. بدا وكأن حياته المهنية قد استقرت في هذا المجال البعيد عن الأضواء والشهرة، لكن القدر كان يخبئ له منعطفاً غير متوقع.
جاءت نقطة التحول في حياته عام 2011، وبمحض الصدفة. كان مصطفى درويش يتواجد في موقع تصوير فيلم 'كف القمر' للمخرج الشهير خالد يوسف، برفقة بعض أصدقائه. لفت انتباه المخرج الذي رأى فيه ملامح مناسبة لأحد الأدوار، فعرض عليه تجسيد شخصية ضابط شرطة في الفيلم، قبل درويش العرض على سبيل التجربة، دون أن يدرك أن هذه الخطوة العفوية ستفتح له أبواب عالم التمثيل على مصراعيها، كانت تلك هي الشرارة الأولى التي أشعلت شغفه بالفن، وبداية رحلة جديدة لم يكن قد خطط لها.
من "كف القمر" إلى "بـ100 وش"
لم تكن مشاركة مصطفى درويش في 'كف القمر' مجرد تجربة عابرة، بل كانت بداية حقيقية لمسيرة فنية، وإن كانت قصيرة نسبياً، إلا أنها كانت مكثفة ومليئة بالأعمال المتنوعة، وبعد ظهوره الأول بدأت شركات الإنتاج تلتفت إليه، فتوالت عليه العروض من 'عرب سكرين' و'العدل جروب' و'سينرجي للإنتاج الفني'لم يترك مصطفى درويش عمله الأساسي في مجال الاتصالات في البداية، بل وازن بينه وبين شغفه الجديد بالتمثيل، ليثبت أن الموهبة قادرة على شق طريقها حتى لو جاءت متأخرة أو بالصدفة.
على مدار 12 عاماً، وهي عمر مسيرته الفنية، شارك مصطفى درويش في أكثر من 30 عملاً درامياً وسينمائياً، تنوعت أدواره بين السينما والتلفزيون، وأظهر قدرة على تجسيد شخصيات مختلفة، ففي عام 2016، شارك في مسلسل 'فوق مستوى الشبهات' بدور المحامي فؤاد، وفيلم 'اللي اختشوا ماتوا'.
وفي العام التالي، جسد دور المحامي بكر في مسلسل 'لأعلى سعر'. وتوالت مشاركاته في أعمال مثل فيلم 'كارما' (2018) بدور رمزي، ومسلسلات 'ضد مجهول' (2018)، و'أيوب' (2018) كضيف شرف بدور راضي شبورة، و'أبو عمر المصري' (2018)، والجزء الثالث من 'نصيبي وقسمتك' (2018)، وشهد عام 2019 مشاركات لافتة له في مسلسلات 'حكايتي' (ضيف شرف)، و'بركة' بدور ياسر العشماوي، و'أبو جبل' بدور عماد.
إلا أن عام 2020 كان بمثابة نقطة الانطلاق الحقيقية نحو شهرة واسعة النطاق. ففي هذا العام، شارك درويش في مسلسلين حققا نجاحاً كبيراً خلال الموسم الرمضاني: 'خيانة عهد' بدور عزت، والمسلسل الكوميدي 'بـ100 وش'.
يعتبر دوره 'فتحي' في مسلسل 'بـ100 وش' هو الأبرز في مسيرته والأكثر تأثيراً لدى الجمهور، حيث جسّد شخصية مدرب كمال الأجسام الذي ينضم إلى عصابة متخصصة في عمليات النصب والاحتيال بأساليب طريفة ومبتكرة، تحت قيادة 'سكر' (نيللي كريم) و'عمر' (آسر ياسين)، ولاقى المسلسل، الذي أخرجته كاملة أبو ذكري وأنتجته شركة 'العدل جروب'، نجاحاً جماهيرياً ونقدياً كبيراً، وأصبح 'فتحي' بشخصيته وخفة ظله حديث الجمهور، مما رسخ اسم مصطفى درويش كأحد الوجوه المألوفة والمحبوبة على الشاشة المصرية.
واصل درويش نشاطه الفني المكثف في السنوات التالية، فشارك في أعمال مثل 'قوت القلوب' (2020)، و'إلا أنا' (2020)، و'كله بالحب' (2021) بدور إبراهيم (كراكيبو)، و'ضد الكسر' (2021) بدور صلاح العمري، و'بين السما والأرض' (2021) بدور ضبع، و'راجعين يا هوى' (2022) بدور نصر بازار.
وفي عام 2023، وهو العام الذي شهد رحيله المفاجئ، شارك مصطفى درويش في أربعة أعمال عرضت خلال موسم رمضان وبعده، وهي: مسلسل 'كامل العدد' مع دينا الشربيني وشريف سلامة، ومسلسل 'سره الباتع' الذي عاد فيه للعمل مع المخرج خالد يوسف، ومسلسل 'تلت التلاتة' مع غادة عبد الرازق، ومسلسل 'إكس لانس' مع محمد سعد، بالإضافة إلى فيلم '5 جولات'، كانت هذه الأعمال بمثابة الوداع الأخير لجمهوره، الذي لم يكن يتوقع أن تكون هذه هي الإطلالات الأخيرة لفنانهم المحبوب.
حسن أبو الروس ومصطفى درويش
نهاية مفاجئة وأسئلة حول "الموت الصامت"
في صباح الأول من مايو 2023، استيقظ الوسط الفني المصري والعربي على خبر صادم: وفاة الفنان مصطفى درويش عن عمر يناهز 43 عاماً.جاء الخبر مفاجئاً ومؤلماً، خاصة وأن الفنان الشاب كان في قمة نشاطه الفني، ولم تظهر عليه أي علامات مرض خطيرة قبل وفاته بساعات.
أعلن شقيقه هاني درويش الخبر عبر حسابه على فيسبوك، مؤكداً أن الوفاة كانت طبيعية وحدثت بشكل مفاجئ.
لاحقاً، كشف الدكتور جمال شعبان، عميد معهد القلب السابق في مصر، تفاصيل حول سبب الوفاة، موضحاً أنها نتجت عن 'توقف مفاجئ لعضلة القلب' أو ما يعرف بالأزمة القلبية المفاجئة.
أشار الدكتور شعبان، في تصريحات إعلامية وفي منشورات له بمناسبة الذكرى الأولى لرحيل الفنان، إلى أن الأرق الشديد وقلة النوم والسهر لساعات متأخرة، وهي أمور كان يعاني منها الفنان الراحل، تعتبر من العوامل التي قد تزيد من خطر الإصابة بالأزمات القلبية المفاجئة، خاصة في سن الشباب، مضيفًا أن الضغوط النفسية والعصبية قد تلعب دوراً أيضاً في مثل هذه الحالات.
مصطفى درويش
معاناة مصطفى درويش مع الأرق
لم يكن يعلم أحد أن معاناة مصطفى درويش مع الأرق، التي عبر عنها صراحة في آخر منشور له على فيسبوك قبل وفاته بساعات قليلة حيث كتب: 'هو أنا بس اللي ما بقتش عارف أنام؟'، كانت تحمل في طياتها نذيراً بنهاية قريبة، وأثارت هذه التدوينة الأخيرة حزناً مضاعفاً لدى محبيه، الذين ربطوا بين شكواه وصدمة رحيله المفاجئ.رحل مصطفى درويش تاركاً وراءه مسيرة فنية قصيرة ولكنها مؤثرة، وحضوراً إنسانياً لافتاً عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث كان يتفاعل مع قضايا مجتمعه ويبدي آراءه بجرأة وصراحة، مما جعله قريباً من قلوب الكثيرين.
وفاته المفاجئة أعادت تسليط الضوء على مخاطر 'الموت الصامت' وأهمية الانتباه لصحة القلب وعوامل الخطر المرتبطة بها، حتى في سن الشباب.