قصة «محمد الحوفي» أكبر طالب ثانوية يتحدى الأربعين: اتحرمت من إبني وطليقتي عايرتني

بين الكتب القديمة، ومقاطع الفيديو التعليمية التي يُحملها من المقاهي، يسير محمد الحوفي، صاحب الـ42 عامًا، على درب الحلم. لم يوقفه الزمن، ولم تُثنه سنوات الانقطاع عن التعليم، ليصبح أكبر طلاب الثانوية العامة بمحافظة الإسكندرية، شاهداً حيًّا على أن 'العمر مجرد رقم'، وأن الطموح لا يعرف سقفًا.
رحلة انقطاع.. وبوابة العودة
بدأت حكاية الحوفي عندما اضطر لترك الدراسة عام 2002، رغم حصوله على دبلوم سياحة تخصص مطبخ، متمنيًا وقتها أن يلتحق بكلية السياحة والفنادق. لكن ظروف السفر والعمل أجهضت حلمه، فحُرم من امتحان القبول، وتبدد الحلم الذي طالما راوده. مرّت السنوات، انشغل فيها بالحياة، لكنه لم يُغلق قلبه أمام العلم.'القراءة أنقذتني'، بهذه العبارة يلخص الحوفي بدايته الجديدة. التهم الكتب بنهم، جعل منها نافذته إلى العالم، ورفيقًا يملأ فراغًا غيّبه التعليم النظامي.
حساسية نادرة.. ونداء القدر
لم تخلُ حياته من مفارقات مؤثرة، فقد اكتشف لاحقًا إصابته بحساسية نادرة من لمس اللحوم، ما كان سيمنعه من العمل في مجاله الأساسي. أدرك حينها أن 'القدر كان يُهيئه لطريق آخر'، وأن ما ظنه عثرة كان توجيهًا رحيمًا.العودة إلى الثانوية بعد عقدين
ذات يوم، علم أن بإمكانه الالتحاق بالثانوية العامة بنظام المنازل لمن تجاوز الأربعين. لم يتردد. توجه إلى مدرسة طارق بن زياد، وبدأ رحلته مجددًا، رغم ضيق الوقت، وقلة الموارد، ومسؤولياته كمعيل لأسرة.كان يذاكر في المقاهي، يستغل الواي فاي لتحميل الشروحات، ويعتمد على كتب قديمة من سوق محطة مصر. لم يكن المال عائقًا، بل كان الإيمان بالله حافزه الوحيد.
جرح أبوي.. وصراع مع الذات
أثقلته تجربة انفصال مؤلمة، حُرم فيها من رؤية ابنه الوحيد، 'أمير'، منذ كان رضيعًا. عاش جرحًا مفتوحًا، زاده ألمًا عبارة سمعها من طليقته: 'إنت مجرد سواق'. قرر أن يرد عمليًا، لا بالكلمات. قال لنفسه: 'هخلي ابني يفتخر بيا'.الشعر.. صوته وسط الزحام
وسط ضغوط الحياة، وجد في الشعر ملاذًا. كتب عن المظلومين، عن المهمشين، عن نفسه. أصدر ديوانه الأول 'رسالة طير سلام'، وشاركه في معرض القاهرة الدولي للكتاب. أراد أن يُسمع صوت الذين لا يُسمَعون.حلم الحقوق.. وسعي للعدالة
يحلم اليوم بالالتحاق بكلية الحقوق، لا ليعمل محاميًا فحسب، بل ليكون 'صوتًا للمظلومين'، كما يقول. يؤمن بأن بعض القوانين، خاصة ما يتعلق بالأحوال الشخصية، بحاجة إلى مراجعة، ويريد أن يكون جزءًا من هذا التغيير.رسالة من القلب
في ختام حديثه، يوجّه الحوفي رسائل صادقة للأهالي: 'بلاش تضغطوا على أولادكم. السنوية العامة مش نهاية العالم. حببوهم في العلم، وادعموهم'.. وللطلاب: 'الفشل مش نهاية. طول ما في أمل، في نجاح.. وأنا خير دليل'.