مظاهر رحمة النبيِّ بأمته.. موضوع خطبة الجمعة المقبلة لوزارة الأوقاف

أعلنت وزارة الأوقاف المصرية تفاصل خطبة الجمعة المقبلة 29 سبتمبر 2023، تحت عنوان «مظاهر رحمة النبيِّ ﷺ بأمته»، والتي جاءت مكتوبة كالآتي:

الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

فإن الرحمة من عظيم الأخلاق التي تحلى بها نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) وقد تجلت الرحمة في حياة نبينا (صلوات ربي وسلامه عليه) في أعلى صورها وأبهى معانيها، واتسعت آفاقها لتشمل جميع أمته، بل جميع المخلوقات، حيث يقول الحق سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) عن نفسه: (إنَّما أنا رحمةٌ مُهداةٌ).

فكان نبينا (صلى الله عليه وسلم) رحيما بالضعفاء وذوي الهمم واليتامى والمساكين، يوصي برحمتهم وإكرامهم، ويسعى في قضاء حوائجهم، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (ليس منا من لم يرحمْ صغيرَنا ، ويُوَقِّرْ كبيرَنا)، ويقول (عليه الصلاة والسلام) لمن جاءه يشكو قساوة قلبه: (أتحِبُّ أن يلينَ قلبُك) فقال: نعم، قال (صلى الله عليه وسلم): (ارحَمِ اليتيمَ وامسَحْ رأسَه وأطعِمه من طعامِك يلِنْ قلبُك وتُدرِكْ حاجتَك)، ويقول سيدنا عبد الله بن أبي أوفى (رضي الله عنه): “كان النبي (صلى الله عليه وسلم) ولا يأنفُ أنْ يمشيَ مع الأرملةِ والمسكينِ فيقضي له الحاجةَ (كما جعل النبي (صلى الله عليه وسلم) عبد الله بن أم مكتوم (رضي الله عنه) – وكان ضريرا – مؤذنا له، واستخلفه (صلى الله عليه وسلم) على المدينة ليصلي بالناس.

وكان الطفل له نصيب وافر من رحمته (صلى الله عليه وسلم)، فحين يسمع (عليه الصلاة والسلام) بكاء الطفل الرضيع ينهي صلاته على عجل؛ رحمة بالرضيع وبأمه، يقول (صلى الله عليه وسلم): (إِنِّي لأَدْخُلُ الصَّلاَةَ أُرِيدُ إِطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأُخَفِّفُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ بِهِ)، وحين قبل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حفيده الحسن بن علي (رضي الله عنهما) وعنده الأقرع بن حابس التميمي فقال الأقرَعُ بنُ حابِسٍ: إنَّ لي عَشَرةً مِن الوَلَدِ، ما قبَّلتُ منهم أحَدًا. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: (مَن لا يَرحَمْ، لا يُرحَمْ(.

كما كان نبينا (صلى الله عليه وسلم) رحيما بالمذنبين والعصاة، يأخذ بأيديهم ويرشدهم إلى الحق، فحينما أتى شاب إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) وقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا! قربه النبي (صلى الله عليه وسلم) منه وحاوره: قائلا له: أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ؟ قَالَ: لا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ : وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأُمَّهَاتِهِمْ . قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لابْنَتِكَ؟ قَالَ : لا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ . قَالَ : وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ . قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ ؟ قَالَ : لا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ . قَالَ : وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأَخَوَاتِهِمْ . قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ ؟ قَالَ : لا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ . قَالَ : وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ . قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ ؟ قَالَ : لا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ . قَالَ : وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ . قَالَ : فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ).

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين.

إن رحمة نبينا (صلى الله عليه وسلم) بأمته لم تقف عند حدود الحياة الدنيا فقط، وإنما شملت الحياة الآخرة، فحينما تَلا النبي (صلي الله عليه وسلم) قَوْلَ اللهِ عزَّ وجلَّ في إبْراهِيمَ: {رَبِّ إنَّهُنَّ أضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فمَن تَبِعَنِي فإنَّه مِنِّي} [إبراهيم: 36] الآيَةَ، وقالَ عِيسَى عليه السَّلامُ: {إنْ تُعَذِّبْهُمْ فإنَّهُمْ عِبادُكَ وإنْ تَغْفِرْ لهمْ فإنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} [المائدة: 118]، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وقالَ: اللَّهُمَّ أُمَّتي أُمَّتِي، وبَكَى، فقالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: يا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إلى مُحَمَّدٍ، ورَبُّكَ أعْلَمُ، فَسَلْهُ ما يُبْكِيكَ؟ فأتاهُ جِبْرِيلُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَسَأَلَهُ فأخْبَرَهُ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بما قالَ، وهو أعْلَمُ، فقالَ اللَّهُ: يا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إلى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إنَّا سَنُرْضِيكَ في أُمَّتِكَ، ولا نَسُوءُكَ).

ولا شك أن هذه الصور العظيمة للرحمة التي أسكنها الله (عز وجل) قلب نبيه (صلى الله عليه وسلم) أكبر دليل على سماحة الإسلام، ورحمته ويسره، فلنتراحم فيما بيننا، ولنجعل الرحمة رسالة الإسلام للعالم كله، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (الرَّاحِمونَ يرحَمُهم الرَّحمنُ؛ ارحَموا مَن في الأرضِ يرحَمْكم مَن في السَّماءِ).