نيفين منصور تكتب.. سقطات

في حياة البعض منا عدة سقطات قد تحدث بفعل القدر والظروف المحيطة وأحيانا قلة الفرص المطروحة أو سوء اختيار لبعض القرارات وربما تحدث عن عمد وبشكل مفتعل لهدف ما يظن فاعلها أنه قد يستفيد منها لتحقيق بعض المكاسب المستقبلية ،، وتختلف وتتعدد تلك السقطات وفقا لظروف فاعلها عن عمد ،، قد تكون سقطة أخلاقية أو عملية أو سقطة حياتية مفتعلة.

في الماضي تعلمنا في الصغر أن من جد وجد وأن الطريق مفتوح أمام من يسعي بكل نزاهة وشرف للوصول إلي الدرجات المتميزة سواء كانت تلك الدرجات علمية أو أدبية و أن صفوة المجتمع تأتي بالعلم والاجتهاد والأخلاق الحميدة ،، ثم تأتي الشهرة عندما يصل المرء لتلك المكانة من الرقي الفكري والأخلاقي والعلمي ،، وبعد الوصول تبدأ الصعوبة في الحفاظ علي تلك المكانة ،، وخصوصا لانتشار بعض المحبطين علي مر السنين ممن يحاولون إطفاء بريق أي شخصية لامعة بالأكاذيب والتضليل وربما بالوقيعة أو الإشاعات.

أجيال متتالية تعلمنا فيها أن نقدر الكلمة والشرف والأمانة والنزاهة وإتقان العمل والمصداقية في الحديث في محاولات لاتقاء وجه الله تعالي أملا في لقائه بقلب سليم،، ولم نكن ندرك أن الحياة تتغير وتنسحب تلك المثل العليا أمام سطوة المال و الترند وحب الظهور ،، فتحول المجتمع إلي مجتمع آخر يتميز بالغموض والرهبة ،، فبعض الأمثال الناجحة اللامعة لم تعد كما كانت وفقا للمقاييس التي تربينا عليها ،، ولكنها أصبحت ممتلئة بالسقطات الأخلاقية ،، فأحياناً كل شيء يهون في سبيل الحصول علي المال لدي البعض ،، حتي ولو كان علي حساب السمعة أو المصداقية .

تعلمنا أن العلم هو بداية طريق النجاح ومن يتفوق سيضمن لنفسه مستقبل مبهر ، فإذا بنا نصطدم بالواقع وبأن الأمور لها أبعاد أخري لا تعتمد فقط علي مدي ثقافتك أو قدراتك المهنية أو تفوقك في العلم،، وإنما الأهم من هذا وذاك هو الحصول علي الفرصة المناسبة التي تضمن لك أن تثبت مدي كفاءتك وإلا ستبقي العمر تلهث وراء أحلام فانية وسراب. ولن يتبقي لك سوي أن تدرب نفسك علي التعايش وسط سقطات المجتمع بكل من يتحكم فيه من سطوة البعض .

الترند أكثر ربحا من العلم أحيانا ،، حقيقة أثبتها المجتمع خلال السنوات الماضية ،، وربما تربح من أغنية لا قيمة لها أكثر بكثير من بعض الجوائز العالمية التي تكرم العلم والعلماء.. تلك السقطات تسببت في كم هائل من الإحباطات المتتالية للعديد من البشر ،، من عاشوا العمر في محاولات للاجتهاد ،، وفي النهاية لم يجدوا أمامهم سوي واقع عجيب لم يُقَدِّر جهد بعضهم ،، فسقطوا في ظلمات اليأس ولا يعلمون كيف يصلون إلي شاطيء الأمل.

سقطات متتالية لشخصيات متعددة حققوا من خلفها مكاسب كثيرة وشهرة عارمة ولم يفكر هؤلاء إلا فقط في الوصول إلي الهدف المنشود من مال وشهرة زائفة لم تبني علي أساس متين وإنما هي حصيلة مجموعة من الإشاعات والمغالطات ،، وفي النهاية تترك تلك الأفعال بصماتها بوضوح في المجتمع وتهدم القيم التي تربي عليها البعض منذ نعومة أظافره وتجعله يشعر بالضياع أمام تلك القوة الجبارة التي أصبحت تسيطر علي المجتمع.

الأغرب والأكثر تأثيرا ربما،، أن بعض الحاصلين علي فرص حقيقية سواء كانت عن طريق العلاقات أو بتقدير من المولي عز وجل يتعاملون بنوع من التعالي مع بعض الذين حرموا من الحصول علي فرص مماثلة ،، ويظنون أنهم الأعلي والأهم،، ويتناسون أن لولا توفر الفرصة لهم لكانوا مثل الآخرين ،، وأن لا يد لهم في ذلك،، إنما هي أرزاق مقسمة،، قد تدوم وقد تزول ،، فلا أحد يأمن مكر الله عز وجل،، قد يعطيك النعم لفترة حتي تظن أنك قد ملكت الدنيا وما فيها ،، فإذا بالدنيا تأخذ منك كل ما لديك وتعود من حيث أتيت بائسا ذليلا .

ولا يتبقي لك وسط صدام الحياة الرهيب بكل تلك التناقضات والسقطات المحبطة التي قد تحدث لك أو تؤثر عليك بفعل من حولك سوي أن تسلم أمرك لله الواحد القهار وتنظر إلي الدنيا نظرة حقيقية وتعلم أنها حياة لا تدوم،، فنظف صحيفتك وابتعد عن السقطات ،، ولا تحزن إذا ضاقت عليك الدنيا بما رحبت ،، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا ،، فقط تذكر أن مهما بلغت درجة انبهارك بما يحدث حولك مع البعض نتيجة تلك السقطات المزيفة إنما هو إلي زوال ،يقول المولي عز وجل (لِكَيْ لا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتاكم وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ).