خطيب المسجد النبوي يوضح فضل الصدق.. تنال بها رضا الله
في المدينة المنورة تحدّث إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور خالد بن سليمان المهنا عن فضل الصدق في الأقوال والأعمال, الظاهرة والباطنة, وأثرها على الإنسان في حياته وبعد مماته, وأنها سبب لحلول رضوان الله على عبده, وقبول عمله, ونجاته من عذابه يوم الحساب.
فضل الصدق
واستهل الشيخ خالد المهنا خطبة الجمعة مبيناً أن ما من عبد امتلأ قلبه من محبة ربه تعالى وتعظيمه وشمول نعمته إلا كانت غايته ونهاية مطلبه حلول رضوان الله عليه, وذلك هو الفضل الكبير الذي هو أكبر من كل نعيم, الذي أنعم به على عباده في جنة الخلد, ومنها النظر إلى وجهه الكريم سبحانه, فقد قال عليه الصلاة والسلام: إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة, يا أهل الجنة: فيقولون لبيك ربنا وسعديك, فيقول هل رضيتم؟ فيقولون ومالنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعطِ أحداً من خلقك؟ فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك, فقالوا: يا ربّ وأيّ شيء أفضل من ذلك؟ فيقول جلّ جلاله: أحلّ عليكم رضواني فلا أسخطُ عليكم بعده أبداً' أخرجه الإمام البخاري.وقال الشيخ خالد المهنا: لقد مهّد الكريم سبحانه لعباده سبل حلول رضوانه, وعرّفهم عليها بأدلة الوحي, فقال عزّ سلطانه : 'وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ, وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ'.
أهمية العبادات
وبيّن أنه مهما كثرت شرائع الدين على المسلم الراغب في مرضاة ربّه فإن لها أساساً تُبنى عليه, ومرجعاً تعود إليه, إذا استمسك به العبد هُدي إلى كل طاعة تبلّغه رضوان مولاه, وذلك الأصل يا عباد الله هو الصدق مع الله, فإنه موجب حلول رضوان الله تعالى على عباده في الدنيا والآخرة, كما أخبر بذلك الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام في قوله: 'عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البِرّ وإن البر يهدي إلى الجنة, وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً' متفق عليه.وبيّن الشيخ خالد المهنا أن للصدق مع الله تعالى لوازم تنشأ عنه, وبراهين تدل عليه, وثمار طيبة تنبت به, ألا وهي الأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة التي لا يزال العبد يتقرّب بها إلى مولاه حتى يكون من خير البرية الموعودين بجزيل الثواب, وحسن المآب, ورضى العزيز الوهاب, قال تعالى : ' إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَ?ئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ? رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ? ذَ?لِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ '، مبينًا أن الصادقين مع الله يجدون بركة صدقهم ونفعه أحوج ما كانوا إليه, فقال سبحانه 'قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ '
الجزاء من جنس العمل
وقال فضيلته: وإذا رضي العبد بربه ورضي عنه رضي الله عن عبده, أشهده يشائر الرضا عنه في الدنيا بتهيئة الطاعة له وصرف المعصية والسوء عنه, فالجزاء من جنس العمل, ورضا العبد بربه يقتضي انقياده لشرعه, واستسلامه لحكمه, من غير حرج في نفسه, ورضاه عن ربّه يكون فيما قضاه له من أقدار وإن آلمته, فمن بلغ تلكم المنزلة السامية بلّغه الله أعلى درجات الرضى عنه, فإن رضى الربّ سبحانه درجات يختصّ بها من يشاء من عباده, كما تتفاوت درجاتهم في جنات النعيم.وأوضح أن العبد الطامع في مرضاة ربه عليُّ الهمّة, صحيح العزم, عجولٌ إلى أوامر مولاه, سابقٌ بالخيرات, أسوته في ذلك صفوة الخلق وسادة البريّات, كما قال موسى كليم الرحمن عليه الصلاة والسلام 'وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى? ' مبيناً أن ربنا جل جلاله شكور يكرم العبد برضاه إذا كان لسانه لهجاً بحمد ربّه وشكره على ما أنعم به عليه, إذ قال عليه الصلاة والسلام: ' إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها, ويشرب الشربة فيحمده عليها' أخرجه الإمام مسلم
وبيّن أن هذا الجزاء العظيم من الكريم سبحانه هو غاية الفضل, إذ أنعم على عبده بالطعام ثم أساغه له, ثم ألهمه الثناء عليه به, ثم أحلّ عليه رضاه, وربنا سبحانه حليم يعيذ عبده من سخطه برضاه, إذ هو سأله كما كان يسأل المتقين وقدوة السالكين.