فقد البصر وقلبه مبصرًا بالإيمان.. حكاية وفاة مصلي داخل أحد المساجد بالضبعة

بمجرد أن انتهى الحاج حميده صالح قاسي من صيام شهر رمضان، أتبعها بصيام الأيام البيض من شوال، كعادته في التقرّب إلى الله، واعتاد الرجل الكفيف أن يصطف كل ليلة في الصفوف الأولى داخل 'المسجد الكبير' بمدينة الضبعة.. سيناريو يومي عاشه لسنوات، لكنه اختلف هذه الليلة.
ففي مشهد مؤثر تهتز له القلوب وتخشع له الأرواح، وبينما كانت إقامة صلاة العشاء تُرفع، سقط الحاج حميده أرضًا، لتصعد روحه الطاهرة إلى بارئها، وسط الصفوف، وفي بيت من بيوت الله، ليلة الجمعة المباركة، صائمًا، خاشعًا، كما يتمنى الصالحون أن يختموا أعمارهم.
لم يكن الحاج حميده رجلًا عاديًا.. بل كان أحد الوجوه الطيبة في الضبعة، رغم فقدانه البصر، إلا أن قلبه كان مبصرًا بنور الإيمان، ولسانه لا ينقطع عن ذكر الله، وجسده دائم التردد على بيوت الله، حريصًا على أداء الصلوات في جماعة.
كان من أولئك الذين لا تراهم إلا مبتسمين، صابرين، محتسبين. اتصل بأحبته قبل أيام قليلة مهنئًا بعيد الفطر، وكأن قلبه يشعر بقرب الرحيل، مودعًا الدنيا بصوت هادئ وذكر طيب.
أبكى فراقه الجميع.. ليس فقط لأنه رحل، ولكن لأنه رحل كما يتمنى الصالحون، في المسجد، أثناء الصلاة، وفي ليلة جمعة، صائمًا، وفي الصف الأول، وكأنها رسالة من السماء أن حسن الخاتمة تُمنح لمن أحب الله فأحبه الله.
نسأل الله أن يتغمد فقيد الضبعة الحبيب، الحاج حميده قاسي، برحمته الواسعة، وأن يسكنه فسيح جناته، ويلحقنا به على خير، في صحبة من سبقونا بالإيمان.
'اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة، واجعل صبره في الدنيا نورًا له في الآخرة، وبلّغ أهله وأحبته السلوان والرضا بقضائك يا أرحم الراحمين.'