أزمة سد النهضة بين الوعود والمواقف
تتعلق قلوب 150 مليون مواطن مصري سوداني بالمداولات الجارية في الأروقة الدبلوماسية بعد جلسة مجلس الأمن لبحث قضية سد الأزمة الأثيوبي، فمنذ جلسة الخميس الماضي جرت في النهر مياه دبلوماسية كثيرة حتى الآن ولازالت، لعل آخرها والأهم هو بيان الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة، إن الاتحاد يدعو إلى الحوار والتفاهم السياسي في قضية سد النهضة، ونتفهم قلق مصر والسودان من هذا السد.
وأتوقف أمام الجملة الثالثة من تصريح الممثل السامي.. أن «أزمة سد النهضة ليست مطروحة على أجندة اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين، وإنما سنناقشها عند الحديث عن إقليم تيجراي الإثيوبي».
وهذا يعنى أن الأزمة لم تكن مطروحة لولا الجهود الدبلوماسية الحثيثة التي قام بها سامح شكرى وزير خارجيتنا ـ ومعه وزيرة خارجية السودان السيدة مريم الصادق ـ منذ ألقى بيانه التاريخى أمام مجلس الأمن الذى حدد فيه أبعاد الأزمة التي تسبب فيها الإصرار الأثيوبى على الحلول الأحادية ببدء الملء الثانى للسد من طرف واحد دون توقيع اتفاق قانونى ملزم يضمن عدم الإضرار بمصالح دولتى المصب ـ مصر والسودان ـ وأننا لسنا ضد خطط التنمية في أثيوبيا لكننا ضد الاستغلال السيء للسد للإضرار بالمصالح والحق في الحياة في مصر والسودان، وبات السد يشكل خطرا وجوديا على مصر والسودان، كشفت عنه المداولات التي انطلقت بناء على الدعوة التي وجهتها مصر والسودان وألقيت فيها أكثر من عشر كلمات كشفت الجلسة حجم المغالطات وضغوط المصالح التي حالت دون الفهم الصحيح للمشكلة التي لا تخص الاعتداء على حقوق دولتى المصب فقط ـ مصر والسودان ـ بقدر ما تخص كل دول العالم التي تعيش على أنهار عابرة للحدود!
أعود إلى البيان المحدود للممثل السامى وهو في نظرى خطوة أخرى للأمام تعكس اتفاقا دبلوماسيا مع ما نوه اليه سامح شكرى عن السلوك الأثيوبى الفج الذى لا يعكس فقط انعدام المسؤولية لدى الجانب الإثيوبي وعدم المبالاة تجاه الضرر الذي قد يلحقه ملء هذا السد على مصر والسودان، ولكنه يجسد أيضاً سوء النية الإثيوبية، والجنوح لفرض الأمر الواقع، والغرض منه وهذا كلامى ـ صرف الأنظار عن العديد من الأزمات الداخلية والخارجية، من بينها الأزمة الإنسانية في إقليم تيجراي، بالإضافة إلى أزمته مع السودان بشأن منطقة الفشقة، ناهيك عن الأزمات الداخلية في أديس أبابا!
وقد كانت هذه الإشارة امتداد لما سبق أن أعلنه الاتحاد الأوروبي من قبل حين دعا إثيوبيا لوقف الملء الثانى ووقف كل الإجراءات الأحادية!
صحيح أن مجرد طرح القضية أمام مجلس الأمن والمناقشات التي دارت تعكس نجاح الجهود الدبلوماسية والتنسيق التام مع الأشقاء في السودان في تدويل الأزمة والخروج بها من أروقة الاتحاد الأفريقي ودهاليزه الغامضة إلى النطاق العالمى، حيث تملك مصر والسودان من الحجج القانونية والمواثيق الدولية والاستفادة من الآتفاقيات الناجحة بين الدول المشتركة في نهر واحد في أفريقيا والعالم، لكن بات واضحا أن العالم كله ومجلس الأمن على راسه وضع أمام اختبار صعب إما الوصول إلى حل يمنع حكومة 100 مليون نسمة من ضمان مستقبل الحياة الكريمة في حوض نهر يتدفق منذ الأزل أو اضطرار مصر لاتخاذ أي إجراء يدافع عن وجودها بعد أن نسفت أثيوبيا كل الجهود الرامية لإجراء دراسات وحلول مشتركة تضمن الحق في الحياة والتنمية ، وحتى لا نجد أنفسنا مُجدداً في مواجهة المسلك الإثيوبي الأحادي بملء السد دون اتفاق يضمن حماية وصيانة الحق الأصيل في الحياة لشعبى دولتي المصب ضد مخاطره.
صحيح البيان عبارات قصيرة حسنة النية لكنه خطوة كبيرة للأمام نتمنى أن تجد صداها بسلوك إيجابى ينفذها على أرض الواقع .. فالكلام وحده لم يعد يكفى !
المبعوث الأوروبي لإثيوبيا: طرحنا عدة حلول للتوصل لإتفاق ملزم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة