أحمد الضبع يكتب: ثماني سنوات خُضر
بحكم نشأتي القروية في بيئة شبه صحراوية بمركز دار السلام الذي يطل على سلاسل جبال البحر الأحمر شرقا، ويتخلله نهر النيل، شريان حياة المصريين غربا، كنت أتأمل الصحراء الشاسعة وكثيرا ما يلح عليّ سؤال طالما بحثت له عن إجابة حينما كنت صغيرا وهو: لماذا لا تستفيد مصر من كل هذه المساحة التي حباها الله بها والتي تبلغ مليون كيلومتر مربع؟.. كيف نستخدم 3% فقط في الزراعة ونستورد القمح والأرز وغيرهما من المحاصيل الاستراتيجية، ونحن نملك الأرض والمياه والقوى البشرية التي بمقدورها تحويل مجرى النهر كي يمر بهذه الصحراء فيبعث فيها الحياة!
كنت أعلم أنه ثمة أنهارا من المياه العذبة تحت الأرض، تلك المعلومة اكتسبتها قبل الالتحاق بالمدرسة، حينما شاهدت جدي يدعو أصدقائه إلى وجبة غداء احتفاء بزرع «الطرمبة» أمام بيته حتى تجلب المياه المثلجة من باطن الأرض لسكان الشارع كله، وكلما مررت بها أسأل نفسي: ماذا لو جرى استغلال هذه الأنهار في الزراعة؟ وأقول بالطبع سنصير دولة خضراء، لكنهم ربما أحبوا لون الصحراء الأصفر!
لم يفارقني حلم رؤية الصحراء خضراء وبدأت أتفاءل عندما شاهدت زيادة الاهتمام خلال الـ 8 سنوات الأخيرة بالزراعة والتوسع في استصلاح الأراضي، بدلا من الاعتماد على الشريط الموازي لنهر النيل والذي تآكل بسبب البناء عليه، وازدادت سعادتي بعد الإعلان عن المشروع القومي لزراعة المليون ونصف المليون فدان الموزعة على 5 مناطق.
وبعد سنوات عجاف من القحط الزراعي أخيرا وجدت رئيسا يؤمن بأحلام الشعب، ولديه رؤية لاستغلال موارد مصر ومساحتها الشاسعة، وتعاظمت المشروعات الزراعية بداية من مشروع تنمية شمال ووسط سيناء، ومشروع الدلتا الجديدة بمنطقة الضبعة، ومشروع غرب المنيا، ومساحات زراعية بمشروع جنوب الوادي توشكى.
ورغم التكلفة المالية الضخمة لاستصلاح الفدان الواحد في الصحراء والتي تصل إلى مبلغ يتراوح ما بين 200 و300 ألف جنيه، لم تبخل مصر عن استثمار هذه الأرض لتوفير غذاء المصريين، في ظل الزيادة السكانية التي تقدر بنحو 20 مليون نسمة خلال العشر سنوات الماضية، كان هذا هو التحدي الأكبر، للوجود المصري، فإما أن نكون أو لا نكون، فماذا سيأكل المصريون إن لم يزرعوا!
وكان لا بد من البحث عن مصادر مياه لري كل تلك الأراضي وزراعتها، ومن هنا وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي، بالعمل في محطة بحر البقر العملاقة التي ساهمت في التوسع الأفقي والرأسي للمساحات الخضراء، إضافة إلى استخدام فرع رشيد الذي يمد 350 ألف فدان بمياه الري، إلى جانب تحلية المياه الجوفية، وإنشاء محطات المعالجة الثالثية التي تعيد تدوير مياه الصرف الزراعي والصحي لتكون صالحة لزراعة 300 ألف فدان.
وضعت مصر يدها منذ 8 سنوات ماضية على سر العبور من الأزمات المتوقعة وجاءت جائحة كورونا، لتؤكد حكمة السيسي في إنفاق المليارات على الزراعة واستصلاح الأراضي، حتى نجد ما نأكل.
وفي الوقت الذي كانت فيه دول عظمى مثل بريطانيا تواجه أسوأ أزمة غذائية في تاريخها الحديث، نتيجة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وتفاقم تحديات سلاسل الإمداد، استطاعت مصر تأمين احتياجاتها ولم تخل الأسواق من السلع.
كانت الثماني سنوات الماضية خضر، حققت مصر خلاها الاكتفاء الذاتي بنسبة 100% من 9 محاصيل زراعية أهمها الخضر بإنتاج 25.5 مليون طن، والفاكهة بإنتاج 10.7 مليون طن، والأرز بإنتاج 6.5 مليون طن، والذرة البيضاء بإنتاج 4.5 مليون طن، والبصل بإنتاج 4 ملايين طن، والتمور بإنتاج 1.7 مليون طن، والذرة الرفيعة بإنتاج 850 ألف طن، بمعدل نمو إيجابي يصل إلى 3.7%، ويستوعب أكثر من 25% من إجمالي القوى العاملة.
وبينما يقف العالم عاجزا أمام أزمة الغلال، لدينا الآن احتياطي استراتيجي من القمح يكفي حتى نهاية العام الحالي، وخمسة أشهر من السكر، و3 أشهر من الأرز، ثم يأتي من بعد ذلك عام 2023 الذي سيشهد الانتهاء من تنفيذ مشروع مستقبل مصر، وفيه يغاث الناس وفيه يعصرون.
وزير الزراعة يشرح السياسات الحالية ما بين التحديات والفرص