إن جالك الأعمى.. كل عشاه
«إن جالك الأعمى.. كل عشاه.. أنت مش أرحم من اللى عماه» مثل شعبى يمثل نشازاً فى الميراث الثقافى للمصريين، لا أعرف أصله ولا سبب ابتداعه ولكنه صدمنى منذ أن سمعته وأنا فى مطلع الشباب، وعندما قارنته بكلمات من القرآن «أنطعم من لو يشاء الله أطعمه»، التى جاءت على لسان الجاحدين بنعمه، الرافضين أن يطعموا الفقراء والمساكين، رأيته أشد قسوة مما يفعله الجاحدون ، المثل يدعو إلى أن تستغل عاهة الأعمى وتغافله لتأكل عشاه، والحجة أنك لن تكون أرحم من خالقه! الذى قدّر وبحكمة لاندركها أن يكون كفيفا.
وكنت أتساءل دائما هل ظهر هذا المثل إبان مجاعات حصدت أرواحاً، وتهافت الناس على ما يسد رمقهم حتى لو كانت «الميتة»، كما ذكر إبن اياس فى مؤرخه بدائع الزهور فى وقائع الدهور، أم أنه خرج من مأثوراتنا الشعبية على يد عصابة من قطاع الطرق، يتخطفون الناس ولا يرحمون عابر سبيل حتى لو كان أعمى.
قفزت هذه التساؤلات وأنا أشاهد الصديق د.مبروك عطية على قناته على «يوتيوب»، حيث يتناول يوميا قضية ما عادة تشغل الرأى العام أو يتصدى للفتوى عن سؤال أحدهم أو إحداهن، كان السؤال - الذى أثار دهشتى- من إحدى السيدات : لى جارة مسيحية وهى أرملة ترعى أطفالا يتامى فهل يجوز لى شرعاً أن أعطيها مثلا شنطة رمضان؟!
رغم أنه سؤال لا يجب أن يسأله أى إنسان خلقه الله على الفطرة المتمثلة، فى قيم الحق والعدل والجمال، إلا أنه وبصدر رحب أجاب على السؤال إجابة دامغة لخصها فى النقاط التالية: للمسلم على الجار المسلم إن كان قريباً له ثلاثة حقوق: حق الجار، حق الدين، حق القرابة وإن لم يكن من الأقارب فله حق الدين وحق الجوار، وإن لم يكن على دينه فله حق الجار ويتمثل فى المعاملة الحسنة وتهنئته فى الأعياد وعيادته فى المرض ومنحه الصدقات بل ويجوز أيضا منحه الزكاة، إذًاً من حق جارتك شنطة رمضان ونصيب فى أى صدقات أخرى.
وتأييداً لفتوى د.مبروك عطية أقص عليه ما يفعله أحد الأصدقاء المسلمين، فى المناسبات الإسلامية والمسيحية، فهو يحرص فى توزيع العيديات أن يمنح الجميع من طائفة العمالة المعاونة سواء المؤقتة أو حتى الدائمة، ما يجود الله عليه فى الشهر الكريم من شنط رمضان، وما يقدمه لهم من عيديات، ويختص الزملاء المسيحيين فى أعيادهم.وهذا ايضا مايفعل مثله كثير من شركاء الوطن.
و ديننا يدعو إلى جبر الخاطر، فلو نحينا الحقوق الثلاثة التى يدعونا إليها الإسلام فيكفى حق جبر الخاطر والسعادة التى يعيشها جابر الخواطر، مع أى إنسان يسر الله له أن يجبر خاطره بعيداً عن دينه أو قرابته أو حتى جيرته.
أحمد الله أن السؤال وقع فى طريق د.مبروك عطية، ولم يقع أمام متشدد، ربما كانت فتواه سببا فى بغض و كراهية و فتنة لا تنقصنا.
محمد درويش يكتب: بدر.. سامحتك فهل تسامحنى؟