السفير محمود علام يكتب: شينجيانج.. بين الاسلام ومسلمي الصين
يثير ما تتداوله بعض وسائل الإعلام الغربية وشبكات التواصل الاجتماعي احيانا من اخبار بشان أساليب تعامل السلطات الصينية مع بعض جماعات المسلمين في اقليم شينجيانج التساؤلات لدي البعض بشأن أوضاع المسلمين وعلاقة الحكومة والحزب الشيوعي الصيني بهم٠
لذلك ساحاول خلال هذا المقال القاء الضوء علي تاريخ الاسلام والمسلمين في الصين ومكانتهم في المجتمع الصيني المعاصر مع تقديم رؤية وتفسير لبعض الاجراءات التي تطبقها السلطات الصينية بمقاطعة شينجيانغ اخذا في الاعتبار اهمية ذلك في اطار علاقات الصداقة والمصالح التي تربط جمهورية الصين الشعبية بعديد من الدول والمجتمعات العربية و الاسلامية ومشاعر شعوب هذه المجتمعات تجاه ما قد يواجه اخوانهم في العقيدة من تحديات في أى منطقة في العالم٠
يؤرخ لدخول الإسلام الي الصين الي القرن السابع وتحديدا لعام ٦٥١ ميلادية في فتره حكم «أسرة تانج» حين قام الخليفة عثمان بن عفان بإرسال مبعوث خاص الي الصين وهو ما اعقبه تدفق أعداد كبيرة من المسلمين من بلاد العرب والفرس واسيا الوسطى إلى الصين في اطار تنامي التبادلات التجارية عبر طريقين البري ( طريق الحرير) والطريق البحري بل واستقرار العديد من الوافدين الجدد من المسلمين وتكاثرهم وهو ماساهم بدوره في تعرف العديد من ابناء القوميات علي مبادئ الاسلام واعتناق العديد في مناطق مختلفة لها٠
وعرف الإسلام في تاريخ الصين باسماء مختلفه منها «قانون داشي، ٫و «دين الصفاء والنظافة» و «دين الصفاء والحق» و «دين هوي» واستمر استخدام تلك المسميات حتي قررت الحكومة الصينية عام ١٩٥٦ تعميم استخدام تسمية الإسلام بدلا من الاسماء الاخري ٠
وينتمي سكان الصين إلى ست وخمسين قومية من أصول عرقية مختلفة وتمثل قومية «الهان» الغالبية العظمي مها، وينتمي مسلمي الصين إلى عشرة من هذه القوميات ومنها كل من قومية الهوي ،اليوغور، والاوزبك، والطاجيك، والتاتار ، والقرقيز ، وسالا و دونج شيانج ، ويبلغ تعداد أبناء الصين من المسلمين وفقًا للاحصاءات الرسمية حوالي ٢٤ مليون نسمة يمثلون نسبه ١،٨ من إجمالى تعداد سكان الصين وينتمي معظمهم الي المذهب الحنفي كما يقدر عدد المساجد في الصين ب ٣٥ الف مسجد وتنتشر في كل أنحاء البلاد حيث تمثل نموذجا حيا لتفاعل ملامح العمارة والتنسيق الإسلامية مع الملامح الصينية التقليدية ،وعادة ما يضم المسجد الصيني عده أنشطة تخدم مجتمع المسلمين واحتياجاتهم الاجتماعية والمعيشية في مختلف المناسبات٠
وقد ساهم اندماج ثقافه الحضارة الاسلامية مع خلفيه قوميات مسلمي الصين المختلفة وملامح الحضارة الصينية العريقة في خلق نموزج متنوع وثري للتعايش والتفاعل ، كما ينظر لعلاقه مسلمي الصين مع الدولة والحزب منذ انشاء جمهوريه الصين الشعبية عام ١٩٤٩ علي انها علاقة إيجابية خاصة مع ما قدمه العديد من مسلمي الصين مع اخوانهم من أبناء الوطن من مساهمات وتضحيات خلال مراحل حرب التحرير ،وفي ضوء ما قدمته الدولة من ضمانات لتطبيق سياسه حريه المعتقدات الدينية ، وتحقيق الخصوصية في إدارة المسلمين لشئونهم الدينية من خلال تأسيس الجمعية الاسلامية منذ عام ١٩٥٣ وفي المقابل اندماج الاقليات القومية من المسلمين مع فئات المجتمع الاخري والتزامها بسياسات الدولة والحزب ٠
ومع التقدم الذي احرزته الصين في المجال الاقتصادي والتجاري علي مستوي العالم يجدر التنويه للدور الذي تلعبه الهوية الاسلامية كاحد اطياف المجتمع الصيني في تطوير البعد الاسلامي في تجارة الصين الخارجية بتوفير احتياجات المجتمعات الاسلامية المختلفة في العالم من منتجات «حلال» وغيرها حتي اصبحت مقاطعة نينجشيا مركزا معروفا تقام فيه معارض سنوية لمثل هذه المنتجات ٠
ولمحاولة فهم الوضع في اقليم شينجيان في ضوء ما تواجهه بعض الإجراءات التي تطبقها السلطات الصينية بالاقليم من انتقادات من بعض الدول الغربية ووسائل إعلامها بوصفها تتناقض مع مباديء حقوق الانسان والحريات الدينية نري انه يجب القاء الضوء علي الحقائق التالية. :
● ان اقليم شينجيان يقع في اقصي الحدود الغربية للصين مع دول عديدة ومنها الحدود مع افغانستان والتي رغم صغر مساحتها(لا تزيد عن ٥٠ كم) الا انها تعد ممرلتواصل بعض الجماعات المتطرفة من سكان الاقليم مع مثيلاتها في افغانستان خاصه تنظيم الدوله الاسلاميه وطاليبان وتلقيها الدعم مما اسفر عن عدد من الحوادث الارهابية التي شهدتها الصين قبل أربع سنوات٠
● ان الصين تواجه انشطه انفصالية من جانب بعض الجماعات ممثلة في حزب تركمانستان الاسلامي الذي تنتمي قياداته لقومية اليوغور وتقيم في الولايات المتحدة حيث تتلقي دعم مادي واعلامي لتوجيه حملات دعائية ضد الحكومة والحزب في الصين ومن ناحية اخري فان لدي الصين حساسية تجاه ايه اتجاهات انفصالية خاصه في ضوء ما تعرضت له عبر تاريخها من محاولات خارجية وللموقف في تايوان٠ ● من الملاحظ ان بعض الدول والقوي الغربيه تلجا الي استخدام سلاح الإعلام كوسيلة لتحجيم واحتواء بل وزعزعه استقرار الدول التي تمثل تحديا لها او قد يؤدي صعودها لتحجيم نفوذها علي الساحه الدوليه ولعل الحرب التجاريه القائمه بين الصين والولايات المتحده منذ عده سنوات تمثل واجهه لصراع اعمق بين القوتين٠ ● بعد ان حققت الصين معجزتها الاقتصادية والتي بداءت -خلال العقود الماضية- بتنمية المقاطعات الشرقية بداءت تتجه لنقل تجاربها الناجحة في التنمية الي المناطق الداخلية ومقاطعات الغربية من خلال تطوير البنية التحتية وتنميه الموارد البشرية مما يساهم في حزب الاستثمارات ، وهو ما قد يتطلب القيام باعادة تاهيل قدرات سكان الاقليم خاصة ان اقليم شينجيان يقع في نقطة متقدمة للتواصل مع الدول الاخري التي تقع علي مسار طريق الحرير البري في اطار مبادرة الحزام والطريق ٠ ● واخيرا اسمح لنفسي ان اشير لاصدقائنا في الصين انه مع احترامنا المتبادل لمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخليه للدول ومع تقديرنا بان مجتمعاتنا وعقيدتنا التي عرفت لديكم بعقيدة الصفاء والحق تواجه احيانا تحديات نتيجه لانشطه بعض الجماعات المتطرفة التي تدعي الدفاع عن الدين الا ان النتيجه ان غالبيه ضحايا فكرها وانشطتها كان من المسلمين انفسهم خاصه في المجتمعات متعدده الاعراق والاديان ، وان رصيد المسلمين في تاريخ الصين يدعونا لان نطالب بان يراعي فيما يتخذ من إجراءات للقضاء علي الفكر المتطرف وتجفيف منابع الارهاب الا تكون علي حساب الاغلبيه من الاقليات المسلمة والمسالمة والتي تمثل بهويتها الخاصة وممارساتها الاجتماعية والثقافيه المتميزة -والنابع بعضها من عقيدتها- بصوره قد تضر صوره الصين الثرية بتعدد اطيافها في اطار الانتماء للوطن الواحد والتي نتطلع لدورها في صياغه عالم جديد يكون اكثر انسانيه وعدالة وتسامح يجمعة المصير المشترك للبشرية وهي الدعوه التي يتبناها الرئيس شي جين بينج٠ومن ناحيه اخري ادعوا لبدء حوار معمق بين مراكز الفكر في الصين والدول العربية (ويكون لوثيقة الاخوة الانسانية الصادرة عن الازهر الشريف دور فيه) لابراز قيمه منهج الوسطية والاعتدال والانسجام في نجاح الحضارتين العربية الاسلامية والصينية الكنفوشيه وانجازاتها، وكذلك استخلاص الدروس بشان دور مسلمي الصين في تحقيق التوازن والاندماج والتفاعل مع الاحتفاظ بخصوصياتهم داخل مجتمعهم متعدد الاعراق والعقائد مع الالتزام كمواطنين بالقيام بدور فاعل في مسيره المجتمع نحو التقدم والرخاء ٠
وزيرة الصحة: «فاكسيرا» ستصبح المصنع الرئيسي لشركة «سينوفاك» الصينية بأفريقيا