الظل والحرور.. بقلم نيفين منصور
يقول المولي عز وجل في كتابه الكريم في سورة فاطر (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ {19} وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ {20} وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ {21} وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ) وفي الآية الكريمة يوضح المولي عز وجل التباين الواضح بين حالات مختلفة مثل الإبصار والعمي والنور والظلام كذلك الموت والحياة وتلك الحالات تمثل واقع من الحياة الدنيا ،، فمنا من يُبصِر ومنا من أُصيب بالعمي بشِقَّيه سواء كان العمي المقصود منه حالة فقدان الرؤية أو عمي القلب الذي أشار المولي عز وجل إليه في كتابه الكريم في قوله تعالي (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).
تلك الحالات يدركها كل متفكر في خلق الله ويدرك مدي تباينها واختلاف صفاتها ووقعها علي الإنسان بوضوح.. ولكن قد لا يدرك الجميع معني الظل والحرور والتباين فيما بينهما فالظل له أكثر من معني هو الآخر ،فمعناه في اللغة هو عتَمَةٌ تَغْشَى مكانًا حَجَبَ عنه أَشِعَّةً ضوئيّةً ولكن ذكره المولي عز وجل في القرآن الكريم بمعناه الحقيقي في تلك الآية الكريمة من سورة فاطر عندما أوضح التباين بينه وبين الحرور وفي موضع آخر ذكره المولي عز وجل بمعني مختلف حيث قال في سورة المرسلات (انْطَلِقُوا إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ)وفسر العلماء كلمة ظل ذي ثلاث شعب بنار جهنم متشعبة لثلاث شعب ومنهم من فسرها بدخان نار جهنم وآخرون فسروها بنار أحاط بهم سرادقها وفي هذه الآية من سورة المرسلات يتباين معني الظل عن موضعه في سورة فاطر والذي يرمز كما ذكرنا للعتمة التي تغشي مكانا لتحجب عنه الآشعة الضوئية والمقصود بها المكان الذي تستطيع أن تحمي نفسك فيه من آشعة الشمس الساخنة والحر الشديد .
أما الحرور في اللغة فهو حر الشمس وحرور النار يعني شدة حرارتها وبالتأكيد لا يستوي الظل الذي ننعم فيه بالسكينة والراحة بالحرور الذي لا يُحتَمَل سواء كان من النار أو الشمس أو أي مصدر حراري آخر لا يمكن احتماله.. والآية الكريمة الغرض منها التدبر والتأمل في كل ما حولنا لمعرفة حقائق الأمور وما وراء الحقائق من حكمة ،، حتي لا نحيا نأكل ونشرب ونتصرف بعشوائية دون إدراك العواقب التي قد تتسبب لنا في الندم أو قد تجعلنا نحيد عن الطريق المستقيم.
القليل منا من يدرك الحكمة من ذكر الأمور المتباينة ،، وتمر علي البعض مرور الكرام دون تفكير ،، كما هو الحال في التباين بين العقل والجموح ،، فالعقل يجعل الإنسان يتصرف بحرص وترقب حفاظا علي الجميع ،، أما الجموح وإلغاء العقل يعمي القلب ويجعله عاجز عن الفهم ويترجم تلك الأفكار إلي أفعال قد تشعره بالندم مع الوقت فيخسر دون أن يشعر مدي الخسارة ،، وقد يؤلم من حوله بكل جبروت.
والتباين في التشبيه دليل ينير القلوب لمن أراد الهداية ،، فتجعله يراجع حياته وأفعاله ويستطيع أن يفهم الحقائق الخفية ،، ومن أكثر الأمور التي يمكن أن نستخدم التباين في المعاني في تفسيرها هي صفات البشر ،، فمنهم مثل الظل بمعناه في سورة فاطر ،، يؤمِّن لمن حوله الهدوء والراحة والسكينة ويحميهم من المشاكل والهموم كما يحمي الظل الإنسان من حر الشمس ،، ومنهم مثل الظل في سورة المرسلات يشعل حياة من حوله بالهموم ،، ويقضي علي الفرحة كما تقضي النار علي الحياة،، ولكل منا أن يختار بين أن يكون ظلا يحمي من حوله أو أن يكون ظلا يشعل حياة من حوله بنار الجحيم.
وبالعودة إلي الآية الكريمة من سورة فاطر نجد أن المولي عز وجل أشار إلي سر النجاة الحقيقي ،، وهو الإرادة وحسن الاختيار ،، حيث قال (إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ) السر في النجاة هو الإرادة الخالصة واستعمال العقل للتدبر ،، فقط من يريد استعمال العقل هو من يستطيع أن يسمع ويتدبر ،، فمن مات يقينه كأنه في القبر وهو علي قيد الحياة لا رجاء منه ،،، ولا أمل في أن يسمع ويتدبر ويفكر ويستوعب صعوبة تلك التجربة التي نحياها ،، وهي العبادة بالغيب ،،، فعبادة الله في الدنيا أساسها استعمال العقل والحجج التي تثبت وجوده ،، والاستناد علي الرسائل الإلهية التي أرسلها عن طريق رسله إلي عباده لعلهم يهتدون.