نيفين منصور تكتب: الزوجة والجارية

فرق شاسع بين كل من الزوجة والجارية في حياة الرجل .. ويجب عدم الخلط بينهما ،مهما حاول البعض اللعب بالكلمات لاستقطاب بعض الرجال ممن يعشقون السبايا والجواري .

من المعروف أن معظم الرجال يعشقون الدلال وبالتأكيد يعشقون أيضا الحسناوات والبعض منهم يستمتعون بإحساس القوامة ويُرضي غرورهم خضوع المرأة أمامهم فيشعرهم هذا الخضوع بالسطوة والقوة والإشباع الغريزي الذكوري ، ولكن مهما كانت المتعة من وراء تلك المشاعر فإنها تظل مشاعر مؤقتة تنتهي مع الوقت بمجرد الإحساس بالتشبع وقد تنتهي مع الزمن ، فقوة الرجل وإحساسه بالفحولة تختلف باختلاف المراحل العمرية المختلفة . وقد تختلف باختلاف التجارب والفتن التي يعيشها في مراحل حياته.

في العصور القديمة وقبل انتشار الدعوة الإسلامية كانت تجارة الرقيق تجارة منتشرة ومشروعة ، وكانت من الأمور المعتادة  والطبيعية لدى المجتمعات المختلفة ، واعتاد الرجل الثري أن يُشبع غرائزه كيفما يشاء مع الجواري، ولكن كانت الجارية للمتعة فقط والنسل والتباهي يظل للزوجة ذات الأصل العريق ، يبحث عنها الرجل الغني بين القبائل ، وكان الأثرياء منهم يُقدمون المهور الغالية لمن وقع عليها الاختيار ويتباهون بالنسب والأصل ويتفاخرون بما يقدمون من عطايا للعروس ويتشرفون بها ، وتصبح تلك العروس هي سيدة المنزل وأم الولد وشريكة الرجل في الحياة، وتظل الجواري للمتعة فقط، وإذا أنجبت من سيدها لن تجد منه ما تجده زوجته من افتخار بهذا المولود ، بل أحيانا يشعر السادة بالخزي و يتبرأون من نسل الجواري .

قصص معروفة يشهد عليها الزمن ، وقد تعلمنا من كتب التاريخ أن اختيار الزوجة يختلف باختلاف الرجل ، فمنهم من كان يبحث عن الجمال ، وآخرون يبحثون عن المال والنسب حتى تعلمنا من الإسلام أن أفضل مقياس لاختيار الزوجة من يختار ذات الدين ، حيث قال نبينا الكريم ما رواه  أبو داود والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه: "تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك"

ومهما كان سبب نكاح تلك المرأة تظل هي سيدة المنزل وشريكة الرجل في الحياة وأم لأولاده، وتظل الجارية للمتعة  وللخدمة فقط ولا حقوق لها ، تذهب لسيدها عندما يطلبها وتعود بأمره إلى مكانها المعتاد ، أما الزوجة فهي الشريك الفعلى لسيد المنزل ، تشاركه الفكر والحياة وتربي أولاده و تراعيهم وتحتفظ بكافة حقوقها ولها كل الاحترام ، وعليها الالتزام بكافة الواجبات المتعلقة بحقوق الزوج .

كانت الزوجة في العصور الماضية لها هيبتها ويشهد التاريخ على ذلك ، وكرامة الزوجة محفوظة وهيبة الرجل و قوامته كذلك، لم نسمع من قبل في سيرة الأولين أن الزوجة يجب أن تستغنى عن كرامتها حتى ترُضي الزوج، بل تعلمنا من السابقين أن العلاقة الزوجية تبُنى على الاحترام والتقدير وزادنا المولى عز وجل من العلم عندما أنزل في كتابه الكريم آيات من الذكر الحكيم توضح سبل النجاح في العلاقات بين البشر وبين الزوجين بصفة خاصة ، وذلك في حالة استمرار الزواج وحتى في الطلاق .

فقه الزواج والطلاق فقه شامل يضمن سر نجاح الحياة الزوجية ، بداية من حسن الاختيار ، وصولا إلى أساليب التعامل بما يضمن القدرة على الاستمرارية حيث قال في كتابه الكريم ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ).فإذا استحالت العشرة فالطلاق حق مشروع شرّعه المولى عز وجل ، ولكن حدده بشروط واضحة حفاظا على حقوق وكرامة كل من الطرفين ، ومن رحمته أنه شرّع رد المطلقة وأعطى لكل من الزوج والزوجة أكثر من فرصة لمراجعة النفس حتى لا تتفكك الأُسر في أوقات الغضب دون إيجاد وسيلة للعودة مرة ثانية ولكن حدد تلك الفرص حتى لا يفقد الزواج هيبته حيث قال (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ).

هكذا تعلمنا على مر التاريخ من أسلافنا الصالحين ، ومن شريعة ديننا الحنيف ، ولم نسمع من قبل أن سر نجاح الزواج هو أن تستغنى المرأة عن كرامتها ، أو أن تتحول إلى جارية حتى ترضي سيدها، تلك الأفكار الهدامة تقلل من هيبة الميثاق الغليظ، كما أنها تدل على سطحية واضمحلال العقول، وربما قد تُقلل من قيمة  الرجل لأنها تحصره في زاوية واحدة هي زاوية الرغبة والشهوة والتسلط، والرجال يختلفون ، منهم من يعشق حب الجواري فقط ، ومنهم من يبحث عن السند ومنهم من يُحب أن يتزوج من امرأة قوية عاقلة ومثقفة ، ومنهم من يبحث عن الحب ، الرجال يختلفون وفقا لشخصية كل منهم كذلك النساء، وحسن الاختيار يجعل كل من الرجل والمرأة في حالة من الرضا والسكينة.

الحياة الدنيا لم تُخلَق فقط للمتعة ولكنها دار فتن وتجارب قاسية ، وكل منا يبحث عن قلب دافيء يحنو عليه وعقل راشد يشاركه التفكير ويسانده في الحياة بكل ما فيها من ابتلاءات ، ونجاح أي علاقة زوجية يقوم على التوازن والتوافق الروحي والجسدي ، ما نحتاجه فقط لإنجاح تلك العلاقة هو الالتزام بتعاليم الشريعة وتعلم الرحمة والإيثار ، ولا نحتاج أبدا لهدر الكرامة أو الاستغناء عنها ، و من يتوكل على الله و يستخيره ويحسن الاختيار سيسعد في حياته مهما كانت قسوة الحياة، ومهما كانت شدة الابتلاء