نيفين منصور تكتب: المؤتفكات
حينما نقرأ آيات الذكر الحكيم نتوقف أحيانا أمام بعض الكلمات المذكورة والتي اختلف المفسرون في تفسير المقصود منها ،، هل هو دلالة لما حدث لأقوام معينة أم هي صفة عامة يمكن أن نصف بها المتشابهين في الأفعال علي مدار السنين منذ بدء الخليقة حتي عصرنا هذا أو ربما إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها كقوله تعالي في كتابه الكريم في سورة الحاقة (وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ ) وقوله في سورة التوبة (أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ ۚ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) كذلك قوله تعالي في سورة النجم ( وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى).
والمؤتفكة في اللغة هي الريح التي تختلف مهابها أو الريح العادلة عن المهاب وجمعها مؤتفكات وقد ترمز إلي مدائن قوم لوط التي قلبها الله علي أهلها وقد فسر المفسرون قوله تعالي والمؤتفكة أهوي بسقوط قري قوم لوط بعد رفعها إلي السماء مقلوبة إلي الأرض بأمره تعالي .. وجعل عاليها سافلها ، فألبسها ما ألبسها من الحجارة.
كما فسر المفسرون قوله تعالي والمؤتفكات بالخاطئة أنها القري التي ائتُفكت بعملها فصار عاليها سافلها بفعلها أو بخطيئتها وحدد بعض المفسرون المؤتفكات بأنهم قري قوم لوط.. كالقرطبي والشوكاني والبيضاوي والسيوطي وغيرهم بينما ترك البعض الآخر المعني ليشمل جميع الأمم التي كَذَّبَت بالرسل ومنها قوم لوط وغيرها من الأمم.
أما الجوزي فقد فسر المؤتفكات بثلاثة أقوال منهم قري قوم لوط ومنهم قارون وقومه وترك المعني الثالث ليشمل كل من ائتفكوا بذنوبهم أي هلكوا بالذنوب التي معظمها الإفك أي الكذب.
وتفسير الإفك في اللغة هو الكذب وقد وردت تلك الكلمة في القرآن الكريم في قوله تعالي (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) كما ذكر الإفك في سورة الصافات في قوله تعالي (أئفكا آلهة دون الله تريدون) .
ولعل ورود ذكر الإفك في آيات متعددة يدل علي أن المعني المقصود هو الأشمل وليس فقط كما فسره البعض بقوم لوط أو غيرهم .. فالقرآن الكريم عندما طرح لنا تلك الأمثال إنما هي للتذكرة بعقوبة الكذب أو الظلم أو الإدعاء بالباطل أو بفعل الموبقات فكل تلك الأفعال المشينة تنطبق علي المؤتفكات .. باختلاف أفعالهم وأقوالهم .. ولكن للأسف الشديد البعض يظن عند قراءة القرآن أن تلك الكلمات تنطبق علي بعض الأقوام التي هلكت ويتناسون أن الآيات تحذر من كل ما يماثل تلك الأفعال من كذب وكفر وظلم مهما اختلفت الأزمنة ويظنون أنهم في أمان وسلام.
أكبر المشكلات التي قد نقع فيها هي تجاهل الفهم الصحيح لمفاهيم الصواب والخطأ .. قد يستحل البعض بعض الأفعال ظنا منه أنه علي حق ولكنه في الحقيقة علي باطل وربما يغرق في بحر من الظلمات دون أن يري أو يسمع أو يدرك خطورة ماهو عليه وخطورة ما ينتظره من مصير يماثل من سبقوه في الفعل .
أبسط الأمور المذكورة في آيات الذكر الحكيم في الإفك والمؤتفكة هو الشائعات التي قد تصيب الغير بالضرر النفسي البالغ والذي قد يدمر سمعة البعض كما حدث في قصة الفتاة المنتحرة بسبب تلفيق البعض لها صور مزورة أساءت إلي سمعتها ولم يصدقها أحد فانتحرت.. كذلك دعوات البعض للتحرر والاعتراف بالمثلية بحجة الحرية الشخصية وما يتم الآن من محاولات لترويج تلك الأفكار عن طريق نشرها في بعض الأفلام لمحاولة اقناع المجتمع بأن تلك الأوضاع طبيعية ويجب علي المجتمع التفاعل معها وتقبلها .. دون أن يدرك هؤلاء معني كلمة المؤتفكات ومصير من يفعل مثلهم .
كذلك الحال مع كل كاذب طامع يتشبه بقارون ويظن أنه قد امتلك الأرض وما عليها ،، فإذا بالمولي عز وجل يخسف به الأرض بعدما ظن أنه قد بلغ عنان السماء بقوته وجبروته وسطوته .. فتنهار به الأرض ويختفي أثره كما اختفي قارون من قبله.. فلنتفكر جميعا في معاني تلك الآيات الكريمة ولنتقي الله عز وجل ونتجنب الإفك بكل ما فيه من موبقات حتي لا نجد أنفسنا في غياهب الظلمات فمهما طال العمر أو قصر فالميزان ينتظر كل من طغي وتكبر .