بعد 45 عاما على رحيل أم كلثوم .. حكاية «ثومة».. فكرة يوسف شاهين وحلم سعد الدين وهبة الذي لم ير النور بسبب عبد الناصر
كتب: أنس سمير
«معنديش مانع أتكلم عن الشخص اللي حبيته بس بعد ما أموت»، هكذا حسمت أم كلثوم موقفها من الإفصاح عن حياتها العاطفية، ليمر 45 عاما على رحيلها دون توافر معلومات مؤكدة عن هذا الجانب من حياتها، الذي ما زال عشاقها يتطلعون إلى كشف خباياه رغبة في معرفة كل صغيرة عن «الكوكب» الذي تعلموا الحب على صوته الأسطوري.
وبالرغم أن الكاتب والسيناريست سعد الدين وهبة لم يستطع انتزاع اعتراف صريح من أم كلثوم حول حياتها العاطفية، إلا أنه كشف بعض أبعاد شخصية كوكب الشرق خلال رحلته القصيرة معها للتحضير لفليم «ثومة».
يوسف شاهين وفكرة فيلم ثومة
عام 1968 ، قفزت فكرة فيلم «ثومة» إلى ذهن المخرج يوسف شاهين، وهو جالس مع الكاتب والسيناريست سعد الدين وهبة، فقال له: «ما رأيك في فيلم عن ثومة» ؟
ثومة مين.. أم كلثوم
نعم أم كلثوم
لم يكن وهبة قد فهم مراد يوسف شاهين، فعاد يسأله: فيلم تمثله أم كلثوم مثل وداد وعايدة وفاطمة
ليرد شاهين: لا فيلم عن حياتها وتمثل هي دور أم كلثوم.
ولدت فكرة فيلم «ثومة» من رحم هذه الجلسة الخاصة، التي جمعت بين رمزين للسينما المصرية، وبالرغم من أن القدر لم يشأ أن يرى هذا الفيلم النور، إلا أن ما كتبه سعد الدين وهبة، عن تفاصيل جلساته، مع كوكب الشرق، ونشره في مقالات عدة بصحف مصرية وعربية، والتي قام الكاتب والناقد أمين أباظة بتجميعها في كتاب حمل اسم «أم كلثوم»، وصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، يمكننا من فهم بعض الأبعاد الشخصية لأم كلثوم. .
وهبة وشاهين في حضرة أم كلثوم
نظم صديق للسيناريست سعد الدين وهبة، الذي كان يعمل في وزارة الثقافة في ذلك الوقت أيضا، لقاء جمعه هو والمخرج يوسف شاهين مع أم كلثوم، في منزلها، بعدما أخبرها أن الهدف من الزيارة، فيلم «ثومة».
بدأت الجلسة بين السيناريست والمخرج وكوكب الشرق بالحديث عن أوضاع السينما وأحوالها، ثم بدأ الثنائي يجيبان على أسئلتها بشأن الفيلم.
وعرض وهبة تصوره عن سيناريو الفيلم، والذي قسمه إلى 4 مراحل:
الأولى: مرحلة العقال وتصور بدايتها مع الغناء منذ سن التاسعة، إلى أن استقرت بالقاهرة وخلعت العقال عام 1924
الثانية: تبدأ من بعد خلع العقال، حتي تمثيلها فيلم وداد 1935
الثالثة: الاشتغال بالسينما ابتداء من فيلم وداد حتى فاطمة 1947
الرابعة: من بعد المرحلة الثالثة حتى تاريخ جلستها مع وهبة وشاهين
انتهت الجلسة الأولى بين وهبة وشاهين وكوكب الشرق، دون أن تبدي رأيا واضحا حول الفيلم، لكنها حددت موعدا لتجلس مع وهبة، وتحكي له تفاصيل حياتها.
أم كلثوم والتكنولوجيا
ذهب سعد الدين وهبة، إلى منزل أم كلثوم في الموعد الذي حددته، لتبدأ في سرد قصة حياتها، وقبل بدء الحوار بينهما، وضع وهبة «جهاز تسجيل»، كان يعد مولودا جديدا للتكنولوجيا في ذلك الوقت، فوق المنضدة أمام أم كلثوم، لتسأله: إيه ده ؟
فيرد وهبة في اندهاش: جهاز تسجيل عشان متفوتنيش ولا كلمة، من اللي حضرتك هتقوليها.
فتعود وتسأله في استنكار: هقعد أتكلم مع حتة حديد ؟ شيل البتاع ده.
ينصاع وهبة لأمر كوكب الشرق، فيخرج ورقة وقلما من جيبه، ليسجل كلامها، لتسأله مرة أخرى: إيه ده ؟
فيرد وهبة في اندهاش أكثر: ورقة أكتب فيها.
وتصدر أم كثوم فرمانا آخر: شيل الورقة
وتتابع لتعلمنا درسا في الاتصال الشخصي: «أنا عاوزة أكلمك أنت، أبص في عينيك، وتبص في عيني، أمليك وأنت قاعد تكتب، أنا عاوزة أحكيلك، الورقة دي تروح البيت تكتب اللي هتفتكره، واللي هتنساه ابقى اسألني فيه تاني.
عبد الناصر يدعم ثومة
بعد جلسات عدة مع أم كلثوم، تلقى سعد الدين وهبة، اتصالا من الدكتور ثروت عكاشة، وزير الثقافة في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، يخبره أن الرئيس يدعم فيلم ثومة، ووجه بوضع إمكانيات الوزارة كافة، لإنتاجه، خاصة أنه سيعرض تاريخ مصر في نصف قرن، من خلال حياة أم كلثوم.
أعرب ثروت عكاشة لوهبة، عن اندهاشه من رفض كوكب الشرق، تناول الفيلم لحايتها الشخصية، وعبر عن شكه في نجاح فيلم يغفل هذا الجانب المهم من حياة البطل.
حياتي العاطفية خط أحمر
ظلت فكرة عدم تناول فيلم ثومة، لحياة أم كلثوم العاطفية تؤرق ذهن الدكتور ثروت عكاشة ما دفعه إلى تنظيم اجتماع ثلاثي، مع كوكب الشرق وسعد الدين وهبة.
وبعد حديث حول استعدادات الفيلم، قال عكاشة لأم كلثوم ما معناه أنها قابلت رجالا كثيرين، في حياتها لتجيبه بالإيجاب
فيعود ويسألها: ولابد أن عددا كبيرا من الرجال، ربما يصلوا إلى ألف، وقعوا في غرامك، وقطعا بين هؤلاء الألف، رجل واحد، واحد فقط، أحبته أم كلثوم ؟
فترد في هودء: قطعا
ويستكمل عكاشة في هدوء أشد: «إحنا عاوزين بقى قصة الواحد ده، تحكيها لسعد، عشان يحطها في الفيلم، لأن مش معقول فيلم عظيم زي ده، يطلع من غير قصة حب»
فتأتي الإجابة الفاصلة القاطعة: «ما عنديش مانع.. بس بعد ما أموت».
نهاية غير سعيدة
سافرت أم كلثوم إلى موسكو عام 1970، لإقامة أول حفل لها هناك، إلا أن موت الرئيس جمال عبد الناصر، بعد سفرها بأربعة أيام، منعها من إقامة الحفل، فعادت إلى مصر وقضت شهورا حزينة على الرئيس الراحل.
وفي هذه الفترة، توقفت جلسات التحضير لـ «ثومة»، بعد فقدان أم كلثوم تحمسها للفيلم، - بحد تعبير وهبة – فضلا عن أن الدولة توقفت عن الإنتاج السينمائي بعد رحيل عبد الناصر.
لترحل أم كلثوم عام 1975، دون أن يستكمل مشروع «ثومة» ، وعام 1979 تراود الفكرة يوسف شاهين مرة أخرى، فيقترح على وهبة أن ينتج هو الفيلم، ومع مرور السنوات يرحل كلاهما دون أن يرى «ثومة» النور.
نعم لم تقفز الفكرة المجنونة لشاهين ووهبة إلى «لوكيشن تصوير»، لكنها على الأقل مكنت وهبة من الاقتراب من أم كلثوم، ليسجل لنا في مقالاته ما دار بينهما، فنعرف كيف كانت تعيش كوكب الشرق؟ أو قل كيف كانت تفكر