جامعة القاهرة تستضيف 600 إمام وواعظ من الأوقاف في ندوة تثقيفية
نظمت جامعة القاهرة، برنامجًا تثقيفيًا لـ 600 إمام وخطيب من وزارة الأوقاف، تحت رعاية الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف والدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس الجامعة، بقاعة الاحتفالات الكُبرى، يهدف إلى التعرف على الدور الفكري لجامعة القاهرة ودورها في تجديد الخطاب الديني وتاريخها ودورها محليًا وعالميًا، وذلك في إطار تنفيذ بروتوكول التعاون الذي تم توقيعه بين الجامعة والوزارة للإعداد الجيد والتدريب المستمر والنهوض بالأئمة والواعظات في مختلف المجالات، وبما يساهم في دعم توجه الدولة نحو محاربة الأفكار الهدامة والمتطرفة، والسعي نحو تقديم خطاب ديني متزن خال من التعصب.
وتضمن البرنامج التثقيفي العديد من الفعاليات، منها عرض فيلم تسجيلي عن جامعة القاهرة «تاريخاً وواقعا ومستقبلاً»، ومحاضرة للدكتور محمد الخشت حول الدور الفكري لجامعة القاهرة ومشروعها لتأسيس خطاب ديني جديد، وكلمة للدكتور السيد مُسعد وكيل وزارة الأوقاف بمحافظة الجيزة، بالإضافة إلى محاضرتين لكل من الدكتور عبد الله التطاوي المستشار الثقافي لرئيس الجامعة والدكتور محمد منصور هيبة المستشار الإعلامي لرئيس الجامعة حول الهوية الوطنية ودور الإعلام في تنمية الوعي، واختتم البرنامج بمقرأة نموذجية لبعض أئمةوبمشاركةجموع الحضور.
وقال الدكتور محمد الخشت، خلال المحاضرة التي ألقاها، إن هذا البرنامج التثقيفي يُعد حدثًا سعيدًا في حياة جامعة القاهرة لاستضافة جمع كريم من أئمة المنابر المصرية بوزارة الأوقاف والذين يمثلون الخط الأول في تقديم صحيح الدين، ومواجهة التطرف والإرهاب، وترسيخ الوسطية، مشيرا إلى أن هذه الندوة تأتي في إطار تعاون كبير ومثمر مع وزارة الأوقاف برعاية معالي الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، وهو ما يمثل مجالات جديدة لم تكن موجودة من قبل خاصة مع ضرورة تنوع وتعدد منابع المعرفة، وردا لجزءً مما تم تلقيه من شيوخ وزارة الأوقاف القدماء الأوائل، بالإضافة إلى أن العلاقة بين الجامعة ووزارة الأوقاف هي علاقة طويلة وكل منهم جزء من الآخر حيث شهدت بعض المساجد في الماضي انتشار الجماعات المتطرفة بكل أنواعها واحتكاكهم إلا أن أئمة الوزارة كانوا يتواجدون دائما لتقديم طاقة نور لإعادة التوازن، وبالتالي فإن الأئمة هم أهل الوسطية وأهل النور والتنوير.
وأوضح الدكتور محمد الخشت، أن الدور الفكري لجامعة القاهرة بدأ منذ عام ١٩٠٨، وهي البداية الحقيقية لعصر الحداثة المصري نظرا لدراسة العلوم المختلفة وإتاحة العلم للجميع بالشكل النظامي، وكان الآباء المؤسسون للجامعة يهدفون إلى إنشاء جامعة للعلوم الطبيعية والإنسانية والدينية، وقد خرجت الجامعة أجيالا قامت عليها الدولة المصرية الوطنية، وكان لها دور بارزفي تكوين النهضة الحديثة التي يشهدها العالم العربي والإسلامي، مشيرا إلى أن الجامعة أطلقت عام ٢٠١٧ وثيقة جامعة القاهرة للثقافة والتنوير والتي كانت البداية لاستعادة رؤيتها مرة أخرى وتحديد أهدافها، موضحا أن كلمة التنوير لا تشير إلى التنوير بمعناه الاجنبي، بل هي كلمة أصلها في القران "نور" وتشير الى النور العقلي كما أن "الله نور السموات والأرض"، وبالتالي فإن الحديث عن التنوير ليس مضادا للدين وإنما يرتبط بالتنوير في السياق العربي الإسلامي، كما ان مفهوم التنوير يتم تناوله بوصفه ممارسة عقلانية شجاعة تقترن بالجرأة مع استخدام التفكير العقلاني النقدي بالمعنى الحداثي، ومعركتنا الأولى إعادة بناء الإنسان وطرق تفكيره وسد الفجوة المعرفية مع العالم المتقدم لتحقيق النهضة والإيمان بأنه لايمكن تأسيس وطن بلا خطاب دينى عقلانى.
وتابع الدكتور محمد الخشت، أن من أهم معالم وثيقة التنوير تحول جامعة القاهرة إلى جامعة من الجيل الرابع تعمل في إطار التمكين من خلق القيمة، والتعريف بالأدوات التي تمكن الفرد من خلق القيمة المعرفية، وتفعيل دور الجامعة في إعداد الأبحاث العلمية التي تعود بالفائدة على المجتمع، والمشاركة في العديد من المشروعات التي تنفذها الوزارات وقطاعات الصناعة والتجارة والزراعة، وأن يكون المقياس هو ما ينفع الناس لأن العلم الذي لا ينفع الناس لا قيمة له. مشيرا إلى أن جامعات الجيل الأول كانت قائمة على المعلومات والمعارف والنقل، بينما جامعات الجيل الثاني اعتمدت على الجمع بين التعليم والبحث العلمي، في حين ركزت جامعات الجيل الثالث على الجمع بين التعليم والبحث العلمي وإعطاء قيمة مضافة للإقتصاد، لافتا إلى أن الأبحاث كانت سابقا تتم دون الاستفادة منها.
وأكد رئيس جامعة القاهرة، على بعض الأسس والمبادئ التي عملت الجامعة على تنفيذها في سياق وثيقة الجامعة للتنوير، وأهمها تكوين خطاب ثقافي وديني جديد يعتمد على التأويلات العقلانية المتعددة والقراءة العلمية للنصوص الدينية، وتأسيس تيار عقلاني عربي مقاوم للتطرف والإرهاب والرجعية، والدعوة إلى إعمال العقل وفهم الواقع والخصوصية الاجتماعية والثقافية والدينية، والانفتاح على تجارب التنوير الأخرى والتيارات العالمية وتاريخ الفكر والفنون، وتنوع مصادر المعلومات، والتمكين التكنولوجي لكافة عناصر الجامعة من منظور المصلحة القومية، مشيرا إلى الدعوة التي اطلقتها الجامعة منذ سنوات فيما يتعلق بمشروع لتأسيس خطاب ديني جديد تتمثل أهم معالمه في التمييز بين الدين نفسه المقدس "المتمثل في القرآن والسنة النبوية المتواترة" والوحي ليس جزءا من التراث، بل هو قبل التراث وفوقه، أما التراث فهو بشري وهو مجرد محاولات وطرق مختلفة لفهم الدين "المتمثل في كلام وتفسيرات البشر ورؤاهم وعلومهم وهي قابلة للصواب والخطأ والتطوير" فالدين شئ والخطاب الديني شئ آخر، ومن هنا وجدنا أن الصحابة والأئمة لم يكن لهم فهم واحد للدين بل تنوعت آراؤهم وأفكارهم، وبالتالي فإن طرق فهم الدين مختلفة ومتطورة لوجود مسائل متغيرة ومستحدثة، حيث إن كل خطاب ديني هو خطاب بشري، ولذا لابد من التمييز بين الثوابت المتمثلة في الايات المحكمات ذات المعنى الواحد من القرآن والمتغيرات المتمثلة في النصوص متعددة المعنى والتي تسمح باكثر من طريقة في الفهم، بالإضافة إلى ضرورة التمييز بين الإسلام والمسلمين وطرائقهم وهي متغيرة، كما لابد من الانفتاح على العلوم الإنسانية والاجتماعية لتتلاقح جميع العلوم حتى يمكن الإتيان بجديد.
وأشار الدكتور محمد الخشت، إلى أن تعددية الصواب تعني وجود أكثر من معنى للشئ نفسه، حيث إن 75% من آيات القرآن الكريم متعددة المعنى والدلالة وهو ما يمثل أحد أسباب اختلاف الفقهاء، ولذا فإن بناء عصر ديني جديد يستلزم استعادة روح الأصول الأولى، وإعمال العقل النقدي، واستعادة الإسلام المنسي وهو الإسلام الأول الذي قامت عليه الأمة، والعودة إلى هذا الإسلام الأول بطريقة حداثية وليس بالمعنى المغلق لمفهوم الحداثة، مشيرا إلى أن بداية النهضة الاوروبية الحديثة تمثلت في قيام مارتن لوثر بتغيير طرق التفكير الدينية الكاثوليكية في العصور الوسطى، ورفض فكرة صكوك الغفران، والتأكيد على أن العلاقة بين الله والإنسان هي علاقة مباشرة دون وسيط.
وذكر الدكتور الخشت، أن جامعة القاهرة نجحت خلال السنوات الأخيرة في تحقيق العديد من الانجازات الجوهرية، منها تجاوز فكرة التخصصات الدقيقة والمنعزلة، وبناء نسق فكري مفتوح ومتطور، وبناء الشخصية القادرة على العمل الفكري، بالإضافة إلى بناء بيئة تعليمية تحفز روح الاكتشاف والإبداع والحرية الأكاديمية، وعدم التمييز على اساس ديني أو عرقي أو اجتماعي، وأن يكون الجميع محكوما بمبدأ المواطنة، موضحًا أن الجامعة تسعى لسد الفجوة المعرفية مع العالم المتقدم، وهذا لا يعني الخروج عن خصوصية مجتمعنا أو هويته بل العمل من خلال خلق مساحة مشتركة والدخول إلى جامعات الجيل الرابع في سياق المحافظة على خصوصية الهوية والثقافة، وبالتالي فإن المبادئ التي تحكم الجامعة في هذا النطاق تتمثل في كونها جامعة مدنية عقلانية وأن الحرية مكون أصيل من مكوناتها، والاتجاه نحو حرية البحث العلمي، مؤكدا أن الحرية في العالم تخضع لقوانين منظمة تخضع للسياق الثقافي والاجتماعي وقد تختلف من دولة لأخري، كما أن هوية مصر مستنيرة قائمة على التعايش وتقبل الآخر.
ومن جانبه، قال الدكتور السيد مسعد، وكيل وزارة الأوقاف بمحافظة الجيزة، إن هذا اليوم هو حدث مميز كونه تم تحت قبة جامعة القاهرة بمشاركة أساتذتها والتعلم منهم، والتعرف على عراقة هذه الجامعة التي تعمل في خدمة الوطن، ودورها الفعال للعمل في صالح الوطن، موجها الشكر للدكتور محمد الخشت لتعاونه الفعال مع الوزارة، واستضافة الأئمة والوعاظ وتقديم الدورات التدريبية لهم، وإتاحة كل سبل الدعم والراحة اللازمة.
وأوضح وكيل وزارة الأوقاف، أن الله تحدث عن العلم بكل أنواع العلوم حيث لا يقتصر العلم على علوم الشريعة وغيرها من علوم الدين والحديث فقط، بل إن آيات القرآن الكريم تدعونا إلى الأخذ بالعلم الذي يشمل كل العلوم التي تساعد على عمارة الدنيا بالدين حيث قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم "هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها" و "إنما يخشى الله من عباده العلماء"، وهذه الآية تشير إلى أن العلم يشمل كل أنواع العلوم، كما أن سورة الروم تحدثت عن اختلاف الألسنة واللغات، وهو ما يؤكد ضرورة العمل في أي مجال من مجالات العلوم طالما لا ضرر لها في الدنيا أو الدين.
وأشار وكيل وزارة الاوقاف، إلى أن الوزارة أخذت على عاتقها دورًا عظيمًا تمثل في تثقيف الناس والأئمة باعتبارها أحد المصادر التي تمد الناس بالثقافة والمعرفة، كما أن وزير الأوقاف يحرص على تنظيم يوم تثقيفي بهدف تعريف العالم على جهود الدولة وما تقدمه للمجتمع بهدف ترسيخ الوطنية لديهم كونهم أعضاء وشركاء في بناء المجتمع.
وقال الدكتور عبدالله التطاوي المستشار الثقافي لرئيس الجامعة، إن نهضة مصر هي الهوية المصرية والتي تتمثل في هوية الأرض والتاريخ والمواطن المصري وقت الشدة، وينتج عنها مفهوم واضح لمصطلح الهوية الوطنية، مؤكدا على ضرورة إعمال العقل والتفكير والبحث عن الحجة، والتركيز على المسؤولية الاجتماعية، والعمل على أن نكون أمة منتجة، وتقبل ثقافة الاختلاف والتنوع والتعددية، وإعلاء قيمة العمل، واستعادة ما صنعه الآباء والأجداد بالعلم والمعرفة والقيم الدافعة للتقدم.
ولفت المستشار الثقافي لرئيس الجامعة، إلى أن الوحي المقدس وصحيح السنة النبوية الشريفة هم فوق التراث، بينما التراث هو المنتج البشري القابل للمراجعة والنقد ولا يغلق باب الاجتهاد فيه، مشيرا إلى أن العقلية الناقدة هي التي تطرح الأسئلة، وتبحث عن الإجابات المقنعة، وتستلهم الأدلة والبراهين.
وأوضح الدكتور محمد منصور هيبة المستشار الإعلامي لرئيس الجامعة، أن الدعاة والإعلاميين وجهان لعملة واحدة وإن اختلفت الأدوات والأساليب، مؤكدا ضرورة أن تتكامل رؤاهم كونهم جميعا أصحاب رسالة تستهدف النهوض بالوطن وانقاذه، والمحافظة على الذات والهوية، وتعليم أبناء الوطن وشبابه التفكير الناقد والوعي بمصلحة مجتمعه، لافتا إلى أن الأصل في الإعلام في المجتمع المسلم هو الإعلام العام الذي يعالج مختلف القضايا المجتمعية في إطار الاستناد إلى النصوص الدينية الصحيحة قطعية الثبوت،قطعية الدلالة. والعمل على تحصين الأجيال القادمة ضد القبح، وتفعيل الدور الواعي للإعلام في تأدية رسالته في الحفاظ على الدولة المصرية.