فاتن عبد المعبود تكتب: احترام الخصوصية!
اصبحنا نحيا فى مجتمع ينتهك الخصوصية ويستطيع اى فرد رؤية الاخر والحديث عن كل ما يخصه من أمور، فباتت استباحة الفرد أمرا عاديا وتم تكسير وعبور كل حواجز الخصوصية فتستطيع الخوض فى الأمور الشخصية والعائلية بكل جرأة والانتقاد لحد الذبح الاجتماعي للشخص المستهدف .
كم من أشخاص تم ذبحهم على مرئ ومسمع من الجميع دون رحمة او محاولة لاستبيان الحقيقة ،الجميع يتحدث ويدلى بدلوه ولماذا اصمت ماداموا يلوكون الحكايات ، اختفى الحق فى ان يدعك الناس وحدك ، وحقك ان يتركوك وشأنك ، الحق فى ان تترك بمفردك ، الحق فى ان تنفرد بنفسك ، وكيف نتفهم هذه “ الازاحة “ للحقوق المتعلقة بالحياة ؟ ،والاغرب هو استباحة الشخص لذاته وحديثه عن نفسه فى ادق تفاصيل حياته وبعد ذلك يزعم ان حياته الخاصة امر غير مسموح لأحد الحديث عنها.
فرضت علينا التكنولوجيا الحديثة انماطا جديدة ولكن العيب ليس فيها ، بل من يسيئون استخدام وسائلها ،فالمجتمعات الغربية يعيش الأفراد كل منهم فى حاله يعمل ويجتهد ويتعامل مع الاحتفاظ بخصوصيته ، فلا يجوز ان يتجرأ احد على اقتحام تفاصيل حياة الآخرين.
فى بلادنا قواعد عظيمة ارستها الأديان السماوية والحضارات الانسانية ، فقول النبي صلي الله عليه وسلم «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» يحمل كل معانى احترام خصوصية الآخرين ، وبعث رسولنا الكريم ليتمم مكارم الاخلاق ، وايذاء الغير -ولو بكلمةٍ أو نظرةٍ- مذمومٌ شرعًا ومنهى عنه .
أظن فى هذا الفضاء الواسع الذى يسمح بمساحة الحركة والنقاش ،حين تغيب عنه القضايا الأساسية ،تحل محلها مشاحنات خاوية تغطى على الخواء الثقافى القائم.ومن هنا نتفهم اسباب المعارك المفتعلة والترانيدات التى تجتاح الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي ، والتى تزيد المجتمع انقساما وبلبلة واستقطابا، ولا تفيد أحدا ،فهم لا يتناقشون بقدر ما يتراشقون حول مصالح خاصة.
وعندما تختفى الجدية تطفو على السطح أشكالا وصورا تضر اكثر مما تنفع ، وتحتاج الرقابة وتفعيل القوانين والمحاسبة ، بجانب ايقاظ القوى الناعمة لمواجهة محاولات التغييب والتغيير داخل مجتمعنا ،ولسنا فى حاجه الى التذكير بإن دولا سقطت لأسباب من بينها تغييرات ثقافية ومجتمعية تم إقحامها فى مجتمعاتهم .
ويقتصى ملئ الفراغ الثقافى التنقيب عن مواهب حقيقية ورموز وطنية وتقديم اعمال درامية ، لا تفرط فى تضخيم السلبيات ، مثل الخيانه والتجسس واهانة المرأة وانتهاك الطفولة ،ففى المجتمع نماذج مضيئة كثيرة تستحق ان تتصدر الصورة وتسليط الاضواء عليها .
ويبقي القول انه ليس هناك انسان بمأمن عن انتهاك الخصوصية ، فلو استفحل الخطر سينال الجميع .