كلمة هامة لرئيس الشيوخ في بداية توليه مهام منصبه

ألقى المستشار عصام الدين فريد، رئيس مجلس الشيوخ، كلمة بعد صعوده على منصة رئيس المجلس، قائلا: أستهلُّ حديثيَ بتهنئتكم جميعًا على فوزِكمْ بعضويةِ هذا المجلسِ العريقِ، سواءً بثقةِ الناخبينَ فيمَن فازَ في الانتخاباتِ، أو بثقةِ رئيسِ الجمهوريةِ فيمَن تمَّ تعيينُهُ.
ووجه الشكر للأعضاء على انتخابه رئيسا لمجلس الشيوخ، قائلا: إنَّهُ لفضلٌ منكمْ، وشرفٌ عظيمٌ لي أنْ حمَّلتموني هذه الأمانةَ، وكلفتموني بأدائِها، وإنِّي لأدعو اللهَ القديرَ أنْ يعينني على أدائِها بما يرضيهِ، وأنْ أكونَ عندَ حسنِ ظنِّكمْ في اختياري لها.
وأكد أن مصرَ – شعبًا وقيادةً – تعلمُ قدرَ المجلس العريقِ الذي جاوزَ عمرُهُ القرنينِ من الزمانِ، باعتبارهِ أولَ مجلسٍ برلمانيٍّ في إفريقيا والشرقِ الأوسطِ، ولذا ينتظرُ منكمُ المشاركةَ الفاعلةَ في المجالاتِ النيابيةِ والبرلمانيةِ والسياسيةِ، في ظلِّ ظروفٍ محليةٍ وإقليميةٍ ودوليةٍ تعلمونها جيدًا.
وقال: في الداخلِ؛ وطنٌ بُنيَ من جديدٍ، ولا يزالُ يُبنى على بنيةٍ تحتيةٍ عظيمةٍ لم يشهدْها في تاريخِهِ، أسهمتْ في رفعِ تصنيفِ مصرَ في مؤشراتِ التنميةِ وجودةِ الطرقِ والمرافقِ لتبلغَ مصافَّ الدولِ المتقدمةِ.
وأشار إلى أنه على هذه البنى نهضتِ الزراعةُ والصناعةُ والتجارةُ، وتهيأتِ الظروفُ الاجتماعيةُ لحياةٍ كريمةٍ معيشيًا وصحيًا وتعليميًا وعلميًا وتكنولوجيًا، من خلالِ عشراتِ المبادراتِ التي أطلقَها الرئيسُ في هذه المجالاتِ، قائلا: كلُّ ذلكَ في ظلِّ ثُلَّةٍ – تعرفونها جيدًا – كانتْ قد أرادتْ لهذا الوطنِ الدمارَ والخرابَ، فحماهُ اللهُ منهمْ، وردَّهمْ على أعقابِهمْ.
وأوضح أنه إقليميًّا ودوليًّا، أكدتْ مصرُ مكانتَها كقوةٍ إقليميةٍ عاقلةٍ تملكُ القدرةَ وتختارُ الحكمةَ؛ فقد وُضعَ خطٌّ أحمرُ للخطرِ القادمِ من غربِ البلادِ على الأمنِ القوميِّ المصريِّ، وحُمِيتِ الحدودُ الجنوبيةُ من خطرِ الحربِ الأهليةِ في السودانِ الشقيقةِ دونَ تدخلٍ في الشؤونِ الداخليةِ للدولتَيْنِ،ولم يُفرَّطْ في حقوقِ مصرَ التاريخيةِ في مياهِ النيلِ، حيث آثر فخامة الرئيس السلامَ على القوةِ التي تًملكُها مصر، فحظي وحظيت معه مصر باحترامِ الجميعِ.
وأوضح أنه في الشرقِ، شهدَ العالمُ – الأسبوعَ الماضيَ – وشهدْنا بفخرٍ واعتزازٍ عظمةَ وأصالةَ الموقفِ المصريِّ من العدوانِ الإسرائيليِّ على شعبِ غزةَ، بدءًا من إدانةِ العدوانِ، والتمسكِ بحلِّ الدولتَيْنِ، ورفضِ تهجيرِ الفلسطينيينَ من أرضِهمْ، وحقِّهمْ في البقاءِ فيها من خلالِ دولةٍ ذاتِ سيادةٍ، وإدخالِ المساعداتِ اللازمةِ لبقائِهمْ على قيدِ الحياةِ؛ كلُّ ذلكَ رغمَ الصعوباتِ والعراقيلِ التي وضعَها الجانبُ المعتدي.
وقال: وبفضلِ اللهِ تحققَ ما تمناهُ الرئيسُ، وأتى إليهِ زعماءُ العالمِ في شرمَ الشيخِ مؤيدينَ لموقفِهِ، وكانوا شهداءَ على توقيعِ الاتفاقِ التاريخيِّ بإنهاءِ الحربِ بعدَ طولِ يأسٍ من ذلكَ. وشهدْنا جميعًا فرحةَ أهلِ غزةَ بعودةِ الأمانِ إليهمْ بعدَ سنتَيْنِ من القتلِ والدمارِ والتشريدِ،وكانتْ تلكَ شهادةً من العالمِ بقيادةِ مصرَ للمنطقةِ دونَ منازعٍ.
وأشار إلى أن الدستور أولى مجلس الشيوخ اختصاصاتٍ رفيعةً ومهامَّ ساميةً، فجعلَهُ بيتَ الخبرةِ التشريعيةِ والفكريةِ للدولةِ المصريةِ؛ فناطَ بهِ في المادةِ (٢٤٨) دراسةَ واقتراحَ ما يراهُ كفيلًا بتقويةِ دعائمِ الديمقراطيةِ، وعلى رأسِها الانتخاباتُ والأحزابُ والمجتمعُ المدنيُّ، وإعلاءِ قيمِ التسامحِ السياسيِّ، وتمكينِ المرأةِ، وإشراكِ الشبابِ، وغيرِ ذلكَ من دعائمِ الديمقراطيةِ التي تدرسونَها وتقترحونَ ما يقويها بأيِّ صورةٍ ترونَها من صورِ المقترحاتِ، بما فيها اقتراحُ تعديل القوانينِ، من خلالِ دراسةِ الأثرِ التشريعيِّ للقوانينِ التي تمسُّ المصالحَ الأساسيةَ للمواطنينَ، على النحوِ المبيَّنِ في المادةِ (٦٣) من اللائحةِ الداخليةِ.
وأوضح أنه اختصَّهُ الدستورُ أيضًا بدراسةِ ما يراهُ كفيلًا بدعمِ السلامِ الاجتماعيِّ في شتى مجالاتِهِ، وعلى رأسِها محاربةُ الإرهابِ والقضاءُ على أسبابِهِ، ومعالجةُ الظواهرِ الاجتماعيةِ السلبيةِ التي برزتْ مؤخرًا،وإعلاءُ مبدأ المواطنةِ والتآلفِ بين أبناءِ الأمةِ.وتابع: كذلكَ اختصَّهُ الدستورُ باقتراحِ ما يراهُ كفيلًا بدعمِ المقوماتِ الأساسيةِ للمجتمعِ، وهي المقوماتُ الاجتماعيةُ والاقتصاديةُ والثقافيةُ المنصوصُ عليها في البابِ الثاني من الدستورِ في أربعٍ وأربعينَ مادةً،وهي الموادُّ من (٧ إلى ٥٠)، والحقوقُ والحرياتُ والواجباتُ العامةُ المنصوصُ عليها في البابِ الثالثِ من الدستورِ في ثلاثٍ وأربعينَ مادةً، وهي الموادُّ من (٥١ إلى ٩٣)، فضلًا عن قيمِ المجتمعِ العليا وتعميقِ النظامِ الديمقراطيِّ وتوسيعِ مجالاتِهِ بما يشملُهُ بابُ نظامِ الحكمِ.
وقال رئيس مجلس الشيوخ: هذا فضلًا عمَّا عددتْهُ المادةُ (٢٤٩) من الدستورِ من اختصاصاتٍ تشريعيةٍ، وما أحالتْهُ المادةُ (٢٥٤) من أحكامٍ أخرى تسري على مجلسِ النوابِ، بما فيها بعضُ الأدواتِ الرقابيةِ كطرحِ موضوعٍ عامٍّ للمناقشةِ لاستجلاءِ سياسةِ الحكومةِ بشأنِهِ، وإبداءِ اقتراحٍ برغبةٍ في موضوعٍ عامٍّ للحكومةِ، وما ستنتهي إليهِ دراساتُكمْ من توصياتٍ ومقترحاتٍ سترفعُ إلى السيدِ رئيسِ الجمهوريةِ، وتُرسلُ إلى الغرفةِ الشقيقةِ مجلسِ النوابِ.
ووجه رسالة لأعضاء مجلس الشيوخ، قائلا: مهمتَكمْ ليستْ يسيرةً، بل هي عظيمةٌ، وتحتاجُ عزمًا من أولي العزمِ، وأنتمْ أولوا العزمِ بعلمِكمْ وخبراتِكمْ العظيمةِ في شتّى مجالاتِ الحياةِ، وإنِّي لواثقٌ أنَّكمْ تقدرونَها حقَّ قدرِها، وستباشرونَها في همةٍ لا يخالجُها فتورٌ، وعزمٍ لا يداخلهُ لينٌ، دونَ موالاةٍ ولا محاباةٍ، مبتغينَ بعملِكمْ وجهَ اللهِ ومصلحةَ الوطنِ.
واختتم رئيس مجلس الشيوخ: وما دمتمْ كذلكَ، فإنَّ توفيقَ اللهِ حليفُكمْ، إعمالًا لعهدِهِ الذي قطعَهُ على نفسِهِ سبحانهُ وتعالى في قولِهِ الكريمِ:"إِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا، وفقكمُ اللهُ إلى ما فيهِ الخيرُ، وسدّدَ خطاكمْ على طريقِ رفعةِ الأوطانِ.