للضرورة أحكام
هذه قاعدة متواترة في كل التظم القانونية، وتنطبق كلما مررنا بظروف تستدعى المواجهة بما هو غير تقليدى .
استحضرت هذا كله عند تواتر الأخبار باستنفار وطنى لمواجهة جائحة الموت الذى يواجهه كل صغير وكبير كلما طل عليه صباح جديد أو جاءته العشية وهو حي يرزق .
وفى هذه الأزمة التى نعيشها ويعيشها العالم كله يجب أن ندرك أن الكل مجند لخدمة قضية حياة شعب كامل ، ليس في بيت أو شارع أو حي أو محافظة أو دولة، بل في كوكب الأرض كله .
ومازلت أذكر صحوة الحاكم الفريد الوالي محمد على باشا، الذي أحب أسرته وعشق مصر ،فأرسى قواعد المجد فيها في كل المجالات المستحدثة وبعث الحياة فيما اندثر منها على مر عصور، كانت فيها مصر هى أم الحضارة وقلب المدنية وحاملة راية التحضر والتقدم ، هذا الرجل كان يؤمن بالمركزية ، فلا أحد يغرد خارج سربه ، وكانت أجازات عمال الدولة في موسم الفيضان بقرار منه ، وحدث أن وافق مفتش الرى على أجازة لمهندس شاب شاءت الظروف أن يتزوج في موسم الفيضان ،فأعدم مهندس الرى ونفى المهندس الشاب إلى السودان ليعاني مرارة البعد عن الأهل ، وحرص على أن يمثل مفتش الرى بين يديه ليعنفه بما هو مناسب من عبارات هي خليط من العربية والتركية ، بقدر ثقافته ، قبل أن يرسل به إلى ساحة الإعدام ، وكتب في خطاب دعوته إلى مجلسه ما مفاده أن ما فعلت أنت من منح أجازة لمهندس الرى في موسم الفيضان ترتب عليه «زهقان أرواح العباد» !
تذكرت هذا كله مع ما يحدث الآن فى قطاع الصحة فى إطار مواجهة الجائحة، مثل تقييد إجازات الأطباء والتمريض، وخفض فترة الأجازة المرضية لأقل مدى ، ورفض الاستقالات من العمل ، وهذه كلها قرارات صائبة ، قد نرفضها إن كان الطبيب أو الممرض من الأهل أو الأقارب ، ولكن الرفض ينهار إذا كان المريض هو احد أفراد الأهل والأقارب .
والحقيقة أن حكمنا على هذه القرارات لا يجب أن يقوم على المصلحة الشخصية، بل ينبغى أن نولى وجهنا شطر المصلحة القومية ، فهى الأبقى .
وليظل كل منا فى موقعه بطلا وقدوة ، ومن موقعه محفزا على تدفق العطاء لأوطان نحمل جميعا في أعناقنا دينا لها ، ولنستحضر دوما عبارة «للضرورة أحكام » .