محمود المهدي يكتب: حب الزمالك وبراءة الطفولة

لم أكن أدري أن حبي للزمالك، ذلك النادي الذي جعلني في كثير من الأحيان أبدو عازفا ومكتئبا عن كل شيء في الحياة، وعادة ما يكون سببا في نشر البهجة والسعادة، كل مباراة يلعبها الفارس الأبيض لا أترقب سوى المغامرات والمفاجآت، فريق لا يهمه سوى المتعة، اللاعبين يدركون جيدا أنهم ملك للجماهير ويقدمون كل شيء لديهم بعيدا عن التخبط الإداري الذي كنا نعيشه سابقا.

وكان أول لون رأيته في حياتي الأبيض، عندما قامت إحدى المقربين لدي بوضعي على «ملاية» بيضاء، ولم أكن أدرى أن هذا اللون هو لون نادي الزمالك، فكل المؤشرات حولك ترشدك لكي تكون زملكاويا، حيث تقول الأسطورة إن كل إنسان يولد بالفطرة زملكاوي.

خلال سنوات الطفولة لم أكن أعرف غير الزمالك، وكنت اعتقد أن الزمالك فريق يلاعب نفسه في كل البطولات، ولم أكن أدرى أن هناك أدغال تصارعه في البطولات المحلية والقارية، ولكن عيني لم ترى سواء وحشا ضخم يلتهم الأخضر واليابس من أمام فريقي المفضل، كل بطولة تذهب للنادي الأهلي، الغريم التقليدي للفارس الأبيض، ومحتكر البطولات في كل الألعاب.

مع نهاية كل بطولة كنت اختفى لبعض ساعات من بين أفراد أسرتي خوفا وتجنبا من «التحفيل»، كنت اتحجج بالنوم وأذهب إلى فراشي، ولم أقدر على النوم، وقلبي ينفطر على الزمالك كونه خسر لقبا جديدا، فكل من في منزلنا الصغير سعيد بفوز فريقه، إلا أنا أعيش في مفارقه غريبة كنت مختلفا عنهم، ومع بداية كل بطولة كنت اتوسم خيرا في فريقي ولكن الخذلان عرف طريق قلبي في النهاية.

ومع كل خسارة وحزن جديد، كان والدي يغريني بتشجيع النادي الأهلي، خوفا علي من حزني الشديد جراء هزائم الزمالك المتكررة، ملوحا لي بإن الأهلي نادي البطولات والسعادة، فإذا لم تحصد على البطولة يكفي لك أن تنام سعيدا، حاولات عدة مرات أن أجلس أمام التلفاز وأشاهد الفريق الذي احتكر البطولات، لم أقدر على مشاهدته ولا الجلوس أمامه سواء بضع دقائق قليلة، وقلبي معلق باللون الأبيض.

كل هذه الإغراءات التي كان والدي وأسرتي يقدومها لي لكي أصبح فرد جديدا ينتمي لرابطة ومشجعي الأهلي، لم تكن كافية، وأن الأبيض الذي طبع ذاكرتي لا يمكن أن يتم محوها بسهولة، ويبدو أن حب الزمالك كان أكبر من بطولات النادي الأهلي وإغراءات والدي، ومنذ ذلك وأنا أعيش قصة مع كل مباراة للزمالك.