نيفين منصور تكتب: قعقعة الخلاخيل 

في العصور القديمة اختلفت النساء في طرق التَزَين واختيار الحلي التي تبرز جمالهن ، ومن بين تلك الحلي كانت الخلاخيل التي تزين الأقدام ، ولكي تلفت إحداهن الأنظار إليها عندما تمر بالناس كانت تضرب برجلها في المشي بشدة ليُسمَع قعقعة خَلخَالها، تباهياً منها بالحُسن ، فتثير الشهوة عند بعض الرجال ممن يغلب عليه شهوة النساء ، فإذا سمع صوت الخَلخَال يثير ذلك فضوله لرؤيتها والتدقيق في مفاتنها ، حتى جاء الإسلام ، ونهى عن ذلك الفعل في قوله تعالى ( وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ).

وقد قيل عن سماع قعقعة الخلاخيل بأنها أشد تحريكاً للشهوة من النظر إليها، فالصوت يثير الفضول ويحرك خيال الرجل وشهوته ربما أكثر من الرؤية ، ولم يكن الخلخال في حد ذاته هو ما يحرم، إنما ما يحرم هو أن يقصدن في مشيتهن إلى إسماع قعقعة الخلاخيل إظهاراً بهن من زينتهن ، وهذا يقتضي النهي عن كل ما من شأنه أن يثير الرجل من قعقعة وتثني وكلام الغزل .

ولم يكن في الحقيقة صوت الخلخال فقط هو ما يثير بعض الرجال ، فقد كانت بعض النساء وما زالت يستخدمن نبرات الصوت المختلفة لإثارة الغرائز لدى الرجل ، وكلما كانت تلك النبرات منخفضة وبطيئة وناعمة كلما نجحن في استثارتهن لمشاعره وخياله ، وهذا التأثير حقيقي وليس خرافة كما يتصور البعض ، ولكنها حقائق علمية تم دراستها بالفعل ، وربما يشهد التاريخ على ذلك أيضاً على مر العصور ، فنبرات الصوت المتمايلة الهامسة تؤثر على عقول بعض الرجال ، وتثير في مخيلاتهم الرغبة وخصوصاً إذا صاحبتها بعض الكلمات المثيرة.

كذلك الحال عند سماع الصوت الشجي المبحوح أو الصوت الهادل و الخافت ، وقد يجد الرجل نفسه منجذبا لامرأة فقط من صوتها ، ويشعر أن هذا الصوت يسحره حتى قبل أن ينتبه لشكلها ، والأكثر إثارة من نبرات الصوت ونوعه هو التذلل والخنوع في الحديث ، وهو ما نهى المولى عز وجل عنه في قوله تعالى (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ)فالخضوع والخنوع في مخاطبة الرجال يفتح باب الفتنة ويدب الشيطان بين المرأة وبين الرجل الذي تخاطبه ،و مهما كانت نزاهة الرجل فقد تغره المرأة إذا خاطبته بصوت خاضع .

لذلك نهى المولى عز وجل المرأة عن الخضوع بالقول ولين القول عند مخاطبة الرجال حتى لا يطمع الذي في قلبه مرض حيث قال (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) والمقصود بالمرض في الآية الكريمة هو مرض الشهوة والرغبة في التمتع بتلك المرأة الخاضعة والتي تتحدث بتمايل وخنوع فتغريه بالكلمات و النبرات الهامسة فتؤثر على عقله ، فالمرأة التي تتطامن وتخنع قد تُذهب عقل الرجل الحازم الفطن مهما كانت كياسته.

لذلك أمرنا المولى عز وجل بالتخاطب مع الرجال بالقول المعروف حيث قال في كتابه الكريم (وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا)، فمخاطبة النساء للرجال مباحة ولكن دون تمايل وخضوع ، والمقصود بالقول المعروف هو ما عرّفه الشرع وأقره، و الذي يكون بعيدا عن الخضوع في القول وعن الليونة والميوعة في الكلام، وقد فسر العلماء تلك الآية الكريمة بأن النهي عن الخضوع في القول لم يكن خاصاً بزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم فقط ، إنما كان لسائر نساء المسلمين ،فإذا كان نساء الرسول صلى الله عليه وسلم منهيات عن الخضوع بالقول خوفا من طمع من في قلبه مرض ، فإن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما ، فإذا كان هذا في النساء الطاهرات الْمُبَرَّآت فغيرهن من باب أولى، وإذا كانت العلة خوف طمع مَن في قلبه مرض فهذه العلة لا تختص بزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم فقط ، وعلى هذا فيَحْرُم خضوع المرأة بالقول لأي أحد من الناس.

وحقيقة الأمر أن فتنة النساء مرض في القلب يحتاج الرجال فيه إلى المعالجة والمداواة، وإذا لم يتداركه الرجل فإن مصيره هو الهلاك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ» لذلك يجب على كل رجل الحذر من أن يقع في تلك الفتنة، فالشيطان يخدع من في قلبه مرض حتى تسيطر عليه شهوته ويقع فريسة لأهوائه.

وربما كانت قعقعة الخلاخيل في الماضي البعيد خطيرة على قلوب الرجال ، ولكن الأشد خطرا هو ما يحدث في عصرنا الحالي من استخدام بعض النساء لكلمات وطأتها أشد من القعقعة ، وذلك عندما ترغب إحداهن في جذب انتباه الرجال حتى يتابعونها بغرض الشهرة ، فتتمايل بالكلمات وتثير العقول والشهوات بعبارات تمجدهم وتشعرهم بأنهم ملوك و لا مثيل لهم ، ثم تعيد الكلمات الرنانة فتقعقع بها لتلفت الأنظار مرة بعد مرة فتثير الجدل ، ثم تعاود الخضوع من جديد حتى يصدق البعض منهم تلك القعقعة الوهمية ، فتسحر قلوبهم بسحر الكلمات ، و يتوهمون أنها أميرة خانعة تُعَظِم الرجل وتنحني تحت قدميه إجلالًا وتقديراً له، فتظل في الأذهان ، فتُفسد حياة العديد من النساء وخصوصاً حياة المرأة التي لا تجيد القعقعة والخنوع . كذلك الحال عندما تستهدف إمرأة تجيد الميوعة والتمايل أحد الرجال بغرض الزواج منه واستقطابه وربما محاولة أن تهدم أسرته إذا كان متزوجا بالفعل و مُنجب من زوجته .

وفي النهاية يعيش الرجل الذي يتأثر بتلك القعقعة في حالة من الوهم ، تحركه شهوته ، فيتعطل عقله ويتفاجأ بأنه يهدم حياته ويخسر من حوله ،وقد يتورط في أمور متعددة ليُرضي صاحبة القعقعة ، لذلك ربما نحتاج إلى التنبه لما يحدث من حولنا ، حفاظا على العلاقات الأسرية من الانهيار ، فالتمايل والقعقعة قد تُسعد الرجال بعض الوقت ، ولكنها ليست دائمة ، تلك اللذة تنتهي ويفيق من كبوته بعد حين ، ليكتشف أنها كانت مجرد فتنة ، فيندم على فعلته بعد أن يخسر من حوله ، وربما قد يهدم بيته ، بسبب هذا الوهم الزائف الذي ظن من خلاله أنه مَلِك متوج تركع من أجله تلك المتمايلة، ولا يعود لرشده إلا بعد أن يكتشف الحقيقة، وقد تكون الخسارة أكبر مما كان يعتقد .

نيفين منصور تكتب : العروة الوثقى

نيفين منصور تكتب: وتأتيك الفاجعة